الامام ومباهاته باجتثاث فتنة «التعمّق»











الامام ومباهاته باجتثاث فتنة «التعمّق»



اتّضح ممّا ذکرناه إلي الآن حول تيّار «التعمّق» والوجوه المنتمية إليه أنّ الاصطدام به کان عملاً صعباً، وحقيقة الأمر أنّ استئصال جذور هذه الفتنة- التي کانت في ظاهرها تيّاراً وطيداً في التديّن- عملٌ في غاية الإعضال، وکان الإمام عليه السلام يري أنّ إبادة هذا التيّار واقتلاع جذور الفتنة من مفاخر عصر خلافته،

[صفحه 269]

فقد قال عليه السلام:

«إنّي فقأتُ عين الفتنة، ولم يکن لِيَجْترئ عليها أحدٌ غيري».

إنّ قتالَ أدعياء الحقّ؛ القرّاء الذين کانت ترنيمات القرآن قد ملأت حياتهم، وجري علي السنتهم نداء «لا حُکْم إلّا للَّه» وهم بِسيَرٍ ربّانيّة الظاهر، عملٌ جدُّ عسير؛ فهؤلاء کانوا يُحيون الليل بالعبادة، ويخرّون للأذقان سُجّداً سجدات طويلة، وجباههم ثفنات من کثرة السجود. وکانوا لا يعرفون حدّاً لانتقاد غيرهم، واشتُهروا بوصفهم رجالاً اُولي شأنٍ وقوّةٍ في الدين. لکن واأسفاه! إذ کانوا مرضي القلوب، ضيّقي الأفکار، صغار العقول.

من هنا کان الاصطدام بتيّار «التعمّق»- بناءً علي ما ذُکر- ممّا لم يقدر عليه يومئذ إلّا الإمام عليه السلام وکان قمعه يتطلّب بصيرة وحزماً خاصّاً متميّزاً لم يقدر عليه سوي عليّ عليه السلام. وهذه الکلمة کلمته المشهورة التي نطق بها بعد قتال الخوارج لم يَقُلها- لذلک- في حربه مع «الناکثين» و«القاسطين» فإنّه ما قال في قتال هاتين الطائفتين: «لم يکن ليجترئ عليها أحدٌ غيري» أو «لولا أنا ما قوتل...»، بيد أنّه قال ذلک في قتال الخوارج.

[صفحه 271]



صفحه 269، 271.