انفصال القرّاء عن الإمام











انفصال القرّاء عن الإمام



ما لبث أن اُميط اللثام، وافتضحت خديعة معاوية، وأدرک القرّاء السطحيّون خطأهم وانخداعهم بمکيدة رفع المصاحف، ولکنّهم بدل أن يستفيقوا فيعيدوا الحقّ إلي نصابه، والماء إلي مسابه نراهم کابروا بمضاعفة تطرّفهم، وجهلهم، وإفراطهم، ونظرتهم الضيّقة المنغلقة، واجترحوا سيّئةً أکبر من سابقتها، فقالوا للإمام عليه السلام: لقد کفرنا بفعلنا هذا، وإنّا تائبون منه، وأنت کفرت أيضاً؛ فعليک أن تتوب مثلنا، وتنکث ما عاهدت عليه معاوية، وتعود إلي مقاتلته!

ولا ريب في أنّ نکث الإمام عهدَهُ- مضافاً إلي ما فيه من مخالفةٍ لسيرته واُسلوبه وتعاليم دينه- يُفضي إلي تضيق هؤلاء «المتقدّسين» المتعنّتين الخناق علي الإمام عليه السلام، وتحديد نطاق حکومته إلي درجة ينفلت معها زمام الاُمور،

[صفحه 268]

ويفقد عليه السلام القدرة علي صنع قراره في الحرب والسلم، والسياسة والإدارة؛ وتخرج الاُمور المهمّة من يده. فلذا واجه عليه السلام هذا الطلب الجهول بکلّ قوّة، لکنّ اُولئک القرّاء بدل أن يتأمّلوا في هشاشة موقفهم الأحمق هذا، افترقوا- عند الرجوع من صفّين- عن أميرالمؤمنين وإمام المتديّنين؛ انطلاقاً من «التعمّق» في الدين والإفراط في السلوک المشين، وعسکروا في «حروراء» قريباً من الکوفة.



صفحه 268.