اجوبة الإمام عن الرسائل بما لا مزيد عليه











اجوبة الإمام عن الرسائل بما لا مزيد عليه



2393- الإمام عليّ عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية-: من عليّ إلي معاوية بن صخر: أمّا بعد؛ فقد أتاني کتاب امرئ ليس له نظر يهديه ، ولا قائد يُرشده، دعاه الهوي فأجابه، وقاده فاتّبعه.

زعمت أنّه أفسد عليک بيعتي خطيئتي في عثمان. ولعمري ما کنتُ إلّا رجلاً من المهاجرين؛ أوردت کما أوردوا، وأصدرت کما أصدروا. وما کان اللَّه ليجمعهم علي ضلالة، ولا ليضربهم بالعمي، وما أمرت فيلزمني خطيئة الآمر، ولا قتلت فيجب عليّ القصاص.

وأمّا قولک إنّ أهل الشام هم الحکّام علي أهل الحجاز، فهاتِ رجلاً من قريش الشام يقبل في الشوري أو تحلّ له الخلافة. فإن زعمت ذلک کذبک المهاجرون والأنصار، وإلّا أتيتک به من قريش الحجاز.

وأمّا قولک: ادفع إلينا قتلة عثمان، فما أنت وعثمان؟ إنّما أنت رجل من بني اُميّة، وبنو عثمان أولي بذلک منک. فإن زعمت أنّک أقوي علي دم أبيهم منهم فادخل في طاعتي، ثمّ حاکم القومَ إليّ أحملْک وإيّاهم علي المحجّة.

وأمّا تمييزک بين الشام والبصرة وبين طلحة والزبير فلعمري ما الأمر فيما هناک إلّا واحد؛ لأنّها بيعة عامّة لا يُثني فيها النظر، ولا يُستأنف فيها الخيار.

وأمّا ولوعک بي في أمر عثمان فما قلت ذلک عن حقّ العيان، ولا يقين الخبر. وأمّا فضلي في الإسلام وقرابتي من النبيّ صلي الله عليه و آله وشرفي في قريش فلعمري لو

[صفحه 23]

استطعتَ دفع ذلک لدفعته.[1] .

2394- عنه عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية-: من عبد اللَّه عليّ أميرالمؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان:

أمّا بعد؛ فإنّ أخا خولان قدم عليَّ بکتاب منک تذکر فيه محمّداً صلي الله عليه و آله، وما أنعم اللَّه عليه به من الهدي والوحي. والحمد للَّه الذي صدقه الوعد، وتمّم له النصر، ومکّن له في البلاد، وأظهره علي أهل العداء والشنآن من قومه الذين وثبوا به، وشنفوا له، وأظهروا له التکذيب، وبارزوه بالعداوة، وظاهروا علي إخراجه وعلي إخراج أصحابه وأهله، وألّبوا عليه العرب، وجامعوهم علي حربه، وجهدوا في أمره کلّ الجهد، وقلّبوا له الاُمور حتي ظهر أمر اللَّه وهم کارهون.

وکان أشدّ الناس عليه ألبةً اُسرته، والأدني فالأدني من قومه إلّا من عصمه اللَّه.

يا بن هند! فلقد خبأ لنا الدهر منک عجباً! ولقد قدمت فأفحشت؛ إذ طفقت تخبرنا عن بلاء اللَّه تعالي في نبيّه محمّد صلي الله عليه و آله وفينا، فکنت في ذلک کجالب التمر إلي هَجَر، أو کداعي مسدِّده إلي النِّضال.

وذکرت أنّ اللَّه اجتبي له من المسلمين أعواناً أيّده اللَّه بهم، فکانوا في منازلهم عنده علي قدر فضائلهم في الإسلام، فکان أفضلهم- زعمتَ- في الإسلام، وأنصحهم للَّه ورسوله الخليفة، وخليفة الخليفة. ولعمري إنّ مکانهما من الإسلام لعظيم، وإنّ المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد. رحمهما اللَّه وجزاهما

[صفحه 24]

بأحسن الجزاء.

وذکرت أنّ عثمان کان في الفضل ثالثاً؛ فإن يکن عثمان محسناً فسيجزيه اللَّه بإحسانه، وإن يک مسيئاً فسيلقي ربّاً غفوراً لا يتعاظمه ذنب أن يغفره.

ولعمر اللَّه إنّي لأرجو- إذا أعطي اللَّه الناس علي قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم للَّه ورسوله- أن يکون نصيبنا في ذلک الأوفر.

إنّ محمّداً صلي الله عليه و آله لمّا دعا إلي الإيمان باللَّه والتوحيد کنّا- أهلَ البيت- أوّل من آمن به، وصدّق بما جاء به، فلبثنا أحوالاً مجرَّمة، وما يَعبد اللَّه في رَبعٍ ساکن من العرب غيرنا، فأراد قومنا قتل نبيّنا، واجتياح أصلنا، وهمُّوا بنا الهمومَ، وفعلوا بنا الأفاعيل؛ فمنعونا المِيرةً، وأمسکوا عنّا العَذْب، وأحلسونا الخوف،[2] وجعلوا علينا الأرصاد والعيون، واضطرونا إلي جبل وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، وکتبوا علينا بينهم کتاباً لا يواکلونا ولا يشاربونا ولا يناکحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتي ندفع النبيّ صلي الله عليه و آله فيقتلوه ويُمثّلوا به. فلم نکن نأمن فيهم إلّا من موسم إلي موسم، فعزم اللَّه لنا علي منعه، والذبّ عن حوزته، والرمي من وراء حرمته، والقيام بأسيافنا دونه، في ساعات الخوف بالليل والنهار، فمؤمننا يرجو بذلک الثواب، وکافرنا يحامي به عن الأصل.

فأمّا من أسلم من قريش بعدُ فإنّهم ممّا نحن فيه أخلياء؛ فمنهم حليف ممنوع، أو ذو عشيرة تدافع عنه؛ فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف، فهم من القتل بمکان نجوة وأمن. فکان ذلک ما شاء اللَّه أن يکون.

ثمّ أمر اللَّه رسوله بالهجرة، وأذِن له بعد ذلک في قتال المشرکين، فکان إذا

[صفحه 25]

احمرّ البأس ودُعِيَت نَزالِ أقام أهل بيته فاستقدموا، فوقي بهم أصحابه حرّ الأسنّة والسيوف، فقُتل عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم اُحد، وجعفر وزيد يوم مؤتة، وأراد للَّهِِ مَن لو شئتُ ذکرت اسمه مثلَ الذي أرادوا من الشهادة مع النبيّ صلي الله عليه و آله غير مرّة، إلّا أنّ آجالهم عُجّلت، ومنيّته اُخّرت. واللَّه مولي الإحسان إليهم، والمنّان عليهم بما قد أسلفوا من الصالحات. فما سمعت بأحد ولا رأيت فيهم من هو أنصح للَّه في طاعة رسوله، ولا أطوع لرسوله في طاعة ربّه، ولا أصبر علي اللأْواء والضرّاء وحين البأس ومواطن المکروه مع النبيّ صلي الله عليه و آله من هؤلاء النفر الذين سمّيتُ لک. وفي المهاجرين خير کثير نعرفه، جزاهم اللَّه بأحسن أعمالهم!

وذکرتَ حسدي الخلفاء، وإبطائي عنهم، وبغيي عليهم؛ فأمّا البغي فمعاذ اللَّه أن يکون، وأمّا الإبطاء عنهم والکراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلي الناس، لأنّ اللَّه جلّ ذکره لمّا قبض نبيّه صلي الله عليه و آله قالت قريش: منّا أمير، وقالت الأنصار: منّا أمير. فقالت قريش: منّا محمّد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فنحن أحقّ بذلک الأمر، فعرفت ذلک الأنصار، فسلّمت لهم الولاية والسلطان. فإذا استحقّوها بمحمّد صلي الله عليه و آله دون الأنصار فإنّ أولي الناس بمحمّد صلي الله عليه و آله أحقّ بها منهم. وإلّا فإنّ الأنصار أعظم العرب فيها نصيباً، فلا أدري أصحابي سَلموا من أن يکونوا حقّي أخذوا، أو الأنصار ظلموا، بل عرفت أنّ حقّي هو المأخوذ، وقد ترکته لهم، تجاوزَ اللَّه عنهم!

وأمّا ما ذکرت من أمر عثمان وقطيعتي رحمَه، وتأليبي عليه؛ فإنّ عثمان عمل ما قد بلغک، فصنع الناس به ما قد رأيت وقد علمتَ أنّي کنت في عزلة عنه، إلّا أن تتجنّي، فتجنّ ما بدا لک.

وأمّا ما ذکرت من أمر قتلة عثمان؛ فإنّي نظرت في هذا الأمر، وضربت أنفه وعينيه، فلم أرَ دفعهم إليک ولا إلي غيرک.

[صفحه 26]

ولعمري لئن لم تنزع عن غيّک وشقاقک لتعرفنّهم عن قليل يطلبونک، ولا يکلِّفونک أن تطلبهم في برّ ولا بحر، ولا جبل ولا سهل.

وقد کان أبوک أتاني حين ولي الناسَ أبابکر فقال: أنت أحقّ بعد محمّد صلي الله عليه و آله بهذا الأمر، وأنا زعيم لک بذلک علي من خالف عليک. ابسُط يدک اُبايعْک، فلم أفعل وأنت تعلم أنّ أباک قد کان قال ذلک وأراده حتي کنت أنا الذي أبيتُ، لقرب عهد الناس بالکفر، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام. فأبوک کان أعرف بحقّي منک. فإن تعرف من حقّي ما کان يعرف أبوک تُصِبْ رشدک، وإن لم تفعل فسيُغني اللَّه عنک والسلام.[3] .

2395- عنه عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية جواباً-: أمّا بعد؛ فإنّا کنّا نحن وأنتم علي ما ذکرت من الاُلفة والجماعة، ففرّق بيننا وبينکم أمسِ أنّا آمنا وکفرتم، واليوم أنّا استقمنا وفُتِنتم. وما أسلم مسلمکم إلّا کَرهاً، وبعد أن کان أنف الإسلام کلّه لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله حِزباً.

وذکرت أنّي قتلت طلحة والزبير، وشرّدت بعائشة ونزلت بين المِصرين، وذلک أمر غبتَ عنه فلا عليک، ولا العذر فيه إليک.

وذکرت أنّک زائري في المهاجرين والأنصار، وقد انقطعت الهجرة يوم اُسِر أخوک، فإن کان فيک عَجَل فاسْتَرْفِهْ؛ فإنّي إن أزُرْک فذلک جدير أن يکون اللَّه إنّما بعثني إليک للنقمة منک! وإن تزرني فکما قال أخو بني أسد:


مستقبلين رياح الصيف تضربهم
بحاصب بين أغوار وجُلْمودِ

[صفحه 27]

وعندي السيف الذي أعضضته بجدّک وخالک وأخيک في مقام واحد. وإنّک واللَّه- ما علمتُ- الأغلفُ القلبِ، المقاربُ العقل، والأولي أن يقال لک: إنّک رقيت سُلَّماً أطلعک مطلعٍ سوء عليک لا لک، لأنّک نشدت غير ضالّتک، ورعيت غير سائمتک، وطلبت أمراً لست من أهله ولا في معدنه، فما أبعد قولک من فعلک! وقريبٌ ما أشبهتَ[4] من أعمام وأخوال! حملَتْهم الشقاوة وتمنّي الباطل علي الجحود بمحمّد صلي الله عليه و آله، فصُرِعوا مصارعَهم حيث علمتَ، لم يدفعوا عظيماً، ولم يمنعوا حريماً، بوقع سيوفٍ ما خلا منها الوغَي، ولم تماشِها الهُوَيْني.[5] .

وقد أکثرتَ في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثمّ حاکم القوم إليّ أحملْک وإيّاهم علي کتاب اللَّه تعالي. وأمّا تلک التي تريد[6] فإنّها خدعة الصبي عن اللبن في أوّل الفصال، والسلام لأهله.[7] .

2396- عنه عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية-: أمّا بعد؛ فانّ الدنيا حلوة خَضِرة، ذات زينة وبهجة، لم يصبُ اليها أحدٌ إلّا وشغلته بزينتها عمّا هو أنفع له منها، وبالآخرة اُمِرْنا، وعليها حُثِثْنا؛ فدعْ يا معاوية ما يفني، واعمل لما يبقي، واحذر الموت الذي إليه مصيرک، والحساب الذي إليه عاقبتک، واعلم أنّ اللَّه تعالي إذا أراد بعبد خيراً حال بينه وبين ما يکره، ووفّقه لطاعته، وإذا أراد اللَّه بعبد سوءاً أغراه بالدنيا، وأنساه الآخرة وبسط له أمله، وعاقه عمّا فيه صلاحه.

[صفحه 28]

وقد وصلني کتابک، فوجدتک ترمي غير غرضک، وتنشد غير ضالّتک وتخبط في عماية، وتتيه في ضلالة، وتعتصم بغير حجّة، وتلوذ بأضعف شبهة.

فأمّا سؤالک المتارکة والإقرار لک علي الشام؛ فلو کنت فاعلاً ذلک اليوم لفعلته أمسِ.

وأمّا قولک إنّ عمر ولّاکه فقد عزل من کان ولّاه صاحبه، وعزل عثمان من کان عمر ولّاه، ولم يُنصّب للناس إمام إلّا ليري من صلاح الاُمّة إماماً قد کان ظهر لمن قبله، أو اُخفي عنهم عيبه، والأمر يحدث بعده الأمر، ولکلّ والٍ رأي واجتهاد.

فسبحان اللَّه! ما أشدّ لزومک للأهواء المبتدعة، والحيرة المتَّبعة مع تضييع الحقائق واطّراح الوثائق التي هي للَّه تعالي طلبة، وعلي عباده حجّة فأمّا إکثارک الحِجاج علي عثمان وقتلته فإنّک إنّما نصرت عثمان حيث کان النصر لک، وخذلته حيث کان النصر له، والسلام.[8] .

2397- عنه عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية-: بسم اللَّه الرحمن الرحيم. أمّا بعد؛ فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتک وأنت بالشام؛ لأنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبابکر وعمر وعثمان علي ما بويعوا عليه، فلم يکن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنّما الشوري للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا علي رجل فسمَّوه إماماً، کان ذلک للَّه رضي، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردّوه إلي ما خرج منه، فإن أبي قاتلوه علي اتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولّاه اللَّه ما تولّي ويُصليه جهنّم وساءت مصيراً.

[صفحه 29]

وإنّ طلحة والزبير بايعاني، ثمّ نقضا بيعتي، وکان نقضهما کردّهما، فجاهدتهما علي ذلک، حتي جاء الحقّ، وظهر أمر اللَّه وهم کارهون.

فادخل فيما دخل فيه المسلمون؛ فإنّ أحبّ الاُمور إليَّ فيک العافية، إلّا أن تتعرّض للبلاء؛ فإن تعرّضت له قاتلتک، واستعنت اللَّه عليک.

وقد أکثرتَ في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثمّ حاکمِ القوم إليَّ أحملک وإيّاهم علي کتاب اللَّه.

فأمّا تلک التي تريدها فخدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلک دون هواک لتجدنّي أبرأ قريش من دم عثمان.

واعلم أنّک من الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة، ولا تعرض فيهم الشوري، وقد أرسلت إليک وإلي من قِبَلک: جرير بن عبد اللَّه؛ وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايِع، ولا قوّة إلّا باللَّه.[9] .



صفحه 23، 24، 25، 26، 27، 28، 29.





  1. وقعة صفّين: 57، بحارالأنوار: 379:32؛ شرح نهج البلاغة: 89:3 نحوه وراجع المناقب للخوارزمي: 204.
  2. أي ألزموناه ولم يفارقنا (انظر النهاية: 424:1).
  3. وقعة صفّين: 88، بحارالأنوار: 408:110:33؛ شرح نهج البلاغة: 76:15، المناقب للخوارزمي: 252 نحوه وکلّها عن أبي ورق وراجع نهج البلاغة: الکتاب 28.
  4. ما: مصدرية؛ أي وقريب شبهک (شرح نهج البلاغه: 20:18).
  5. أي لم تصحبها، يصفها بالسرعة والمضيّ في الرؤوس والأعناق (شرح نهج البلاغة: 20:18).
  6. قيل: إنّه يريد التعلّق بهذه الشبهة؛ وهي قَتَلة عثمان. وقيل: أراد به ما کان معاوية يکرّر طلبه من أميرالمؤمنين عليه السلام، وهو أن يقرّه علي الشام وحده، ولا يکلّفه البيعة (شرح نهج البلاغة: 21:18).
  7. نهج البلاغة: الکتاب 64، الاحتجاج:91:426:1، بحارالأنوار:402:91:33.
  8. شرح نهج البلاغة: 153:16؛ نهج البلاغة: الکتاب 37، الاحتجاج: 92:428:1 وفيهما من «فسبحان اللَّه... »، بحارالأنوار: 403:97:33.
  9. وقعة صفّين: 29؛ تاريخ دمشق: 128:59 کلاهما عن عامر الشعبي، العقد الفريد: 329:3، الأخبار الطوال: 157 نحوه إلي «فخدعة الصبي عن اللبن»، شرح نهج البلاغة: 75:3، الإمامة والسياسة: 113:1 وراجع نهج البلاغة: الکتاب 64 والفتوح:506:2.