نقطة البداية في الانحراف











نقطة البداية في الانحراف



إنّ عدداً من المسلمين في عصر صدر الإسلام لم يتلقّ تحذير النبيّ صلي الله عليه و آله من «التعمّق» بکثيرٍ من الجِدّية؛ لأسباب سنعرضها عند الحديث عن جذور «التعمّق»؛ فهؤلاء قد تجاوزوا السنّة النبويّة، وأفرطوا في نزعاتهم حتي وقحُوا في بعض المرّات واجترؤوا يؤاخذون النبيّ صلي الله عليه و آله إذ کان صلي الله عليه و آله في أحد الأيّام مشغولاً بتوزيع الغنائم، وقسمتها بمراعاة مصالح معيّنة، فهبّ أحد هؤلاء «المتقدّسين»، وقد سوّلت له نفسه أنّه أعدل من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في القسمة بزعمه، وطلب منه أن يعدل في التوزيع! وطعن في تقسيمه القائم علي التعاليم القرآنيّة، وکان أثر السجود بائناً علي جبهته، ورأسه محلوق علي طريقة «المتقدّسين» يومئذٍ ورفع عقيرته بغلظة وفظاظة قائلاً: «محمّد، واللَّه ما تعدل!» فقال له النبيّ صلي الله عليه و آله مُغضباً:

ويحک! فمن يعدل إذا لم أعدل؟!

وَهَمَّ الصحابةُ بقتله لموقفه الوقِح هذا، بَيْد أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله منَعهم، وحکي لهم صورةً عن مستقبله، وأنبأهم بأنّه ورفقاءه بعيدون عن الحقّ من منطلق «التعمّق» وقال:

«سيکون له شيعة يتعمّقون في الدين حتي يخرجوا منه».

[صفحه 265]

وقال في خبر آخر: «إنّه يخرج هذا في أمثاله وفي أشباهه وفي ضُربائه يأتيهم الشيطان مِن قِبَل دينهم، يمرقون من الدين کما يمرق السهم من الرميّة، لا يتعلّقون من الإسلام بشي ءٍ».

والعجب أنّ هؤلاء قد تقمّصوا الزهد، وعليهم سيماء العابدين أو هيئة الزاهدين، بَيْد أنّهم- من منظار رسول اللَّه صلي الله عليه و آله- من الدين خارجون، وعن الحقّ والحقيقة بعيدون، وهم الذين کانوا يسمّون أنفسهم «القُرّاء» أيضاً، في حين أبان النبيّ صلي الله عليه و آله هذه الصفة وجلّي طبيعتها أيضاً، فقد قال صلي الله عليه و آله: «يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم!».

ويحسن بنا أن نتحدّث بإجمال عن مصطلح «القرّاء»؛ لِما کان له من أرضيّة اجتماعيّة في التاريخ الإسلامي.



صفحه 265.