الدين والاعتدال











الدين والاعتدال



الإسلام دينٌ وَسَط،[1] وتعاليمه زاخرة بالتأکيد علي الاعتدال، وبالنظرة الشموليّة المستوعبة، وبضرورة الابتعاد عن الإفراط، والنظرة الضيّقة الاُحاديّة الجانب إلي الاُمور.

ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله- الذي کان يعرض الإسلام بوصفه منهاجاً للتکامل المادّي والمعنوي ويؤکّد شموليّته وکماله في استيعابه المصالح الفرديّة والاجتماعيّة- کان يري الإفراط والنظرة الاُحاديّة الجانب أکبر خطر علي اُمّته ودينه. ولم يزل ينبّه علي هذه الحقيقة طيلة عمره المبارک، فقد کان صلي الله عليه و آله يقول:

«لا يقوم بدين اللَّه إلّا من حاطه من جميع جوانبه».[2] .

وکان صلي الله عليه و آله يري أنّ الذين يحملون النظرة الشموليّة المستوعبة للدين، ويُحيطون بجميع التعاليم الدينيّة في مجال الفکر، والقول، والتکامل الفردي والاجتماعي هم وحدهم الذين تُثمر جهودهم في نصرة الدين، وکان يحرص علي تعليم ذلک لاُمّته. ومن هنا کان صلي الله عليه و آله يقول:

«إنّ دين اللَّه عزّوجلّ لن ينصره إلّا من حاطَهُ من جميع جوانبه».[3] .

[صفحه 259]

ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله- إلي جوار ما کانت تعيشه الاُمّة من تعاليم سيرته الوضّاءة التي يُتحفها بها من أجل هدايتها واستقامتها علي الطريقة، وجعلها الاُمّة الوسط- کان يدلّ علي القدوة في هذا المجال، ويؤکّد تمسّک المسلمين بسيرة العترة التي کان يعرّفها للاُمّة بوصفها المثال البارز للاعتدال والوسطيّة.[4] وقد أشار الأئمّة عليهم السلام إلي منزلة أهل البيت ومکانتهم، من ذلک دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في الصلوات الشعبانيّة، حيث جاء فيها:

اللهمّ صلّ علي محمّد وآل محمّد الفُلک الجارية في اللُّجج الغامرة؛ يأمن من رکبها، ويغرق من ترکها، المتقدّم لهم مارق، والمتأخّر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق.[5] .

وهکذا نبّه أئمّة الدين الناسَ علي لزوم الاعتدال في الفکر والحياة، وأکّدوا ذلک. ويمکننا أن نُدرک من هذا کلّه أنّ الخروج عن جادّة الاعتدال، والسقوط في حضيض الإفراط والتطرّف لا يستتبع إلّا الشذوذ، وربّما الانجراف مع تيّار الفساد.

ومثّل الخوارج- في نطاق الثقافة الإسلاميّة- تيّاراً متطرّفاً ذا مواقف حادّة متشنّجة بعيدة عن الاعتدال، ونُعتوا في الأحاديث النبويّة بصفة «التعمّق»:

«إنّ أقواماً يتعمّقون في الدين يمرقون کما يمرق السهم من الرمِيّة».

ونتناول هذا الاصطلاح فيما يأتي بإيجاز قبل أن نتحدّث عن جذور تيّار الخوارج:

[صفحه 261]



صفحه 259، 261.





  1. قال تبارک وتعالي: «وَکَذَ لِکَ جَعَلْنَکُمْ أُمَّةً وَسَطًا» (البقرة: 143).
  2. کنز العمّال: 5612:84:3 نقلاً عن أبي نعيم؛ شرح الأخبار: 389:2.
  3. الفردوس: 897:234:1 عن ابن عبّاس، کنز العمّال: 28886:171:10.
  4. راجع: کتاب «أهل البيت في الکتاب والسنّة».
  5. مصباح المتهجّد: 485:361 عن الإمام الصادق عليه السلام و ص 888:828، الإقبال: 300:3 کلاهما عن مجاهد، المزار الکبير: 1:401 عن العبّاس بن مجاهد، بحارالأنوار: 20:90.