رسائل معاوية إلي الإمام في دم عثمان











رسائل معاوية إلي الإمام في دم عثمان



2390- الکامل للمبرّد: کتب [معاوية] إلي عليّ رضي الله عنه:

من معاوية بن صخر إلي عليّ بن أبي طالب:

أمّا بعد؛ فلعمري لو بايعک القوم الذين بايعوک وأنت بري ءٌ من دم عثمان کنت کأبي بکر وعمر وعثمان، ولکنّک أغريت بعثمان المهاجرين، وخذّلت عنه الأنصار، فأطاعک الجاهل، وقوي بک الضعيف. وقد أبي أهل الشام إلّا قتالک حتي تدفع إليهم قتلة عثمان، فإن فعلت کانت شوري بين المسلمين.

ولعمري ما حجّتک عليَّ کحجّتک علي طلحة والزبير، لأنّهما بايعاک ولم أبايعک. وما حجّتک علي أهل الشام کحجّتک علي أهل البصرة؛ لأنّ أهل البصرة أطاعوک ولم يطعک أهل الشام. وأمّا شرفک في الإسلام وقرابتک من

[صفحه 18]

رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وموضعک من قريش فلست أدفعه.[1] .

2391- وقعة صفّين عن أبي ورق: إنّ أبامسلم الخولاني قدم إلي معاوية في اُناس من قرّاء أهل الشام، قبل مسير أميرالمؤمنين عليه السلام إلي صفّين، فقالوا له: يا معاوية علام تقاتل عليّاً، وليس لک مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته؟ قال لهم: ما اُقاتل عليّاً وأنا أدّعي أنّ لي في الإسلام مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته، ولکن خبّروني عنکم؛ ألستم تعلمون أنّ عثمان قُتل مظلوماً؟ قالوا: بلي. قال: فليَدَعْ إلينا قتلته فنقتلهم به، ولا قتال بيننا وبينه. قالوا: فاکتب إليه کتاباً يأتيه به بعضنا. فکتب إلي عليّ هذا الکتاب مع أبي مسلم الخولاني....

من معاوية بن أبي سفيان إلي عليّ بن أبي طالب: سلام عليک، فإنّي أحمد إليک اللَّه الذي لا إله إلّا هو.

أمّا بعد؛ فإنّ اللَّه اصطفي محمّداً بعلمه، وجعله الأمين علي وحيه، والرسول إلي خلقه، واجتبي له من المسلمين أعواناً أيّده اللَّه بهم، فکانوا في منازلهم عنده علي قدر فضائلهم في الإسلام؛ فکان أفضلهم في إسلامه، وأنصحهم للَّه ولرسوله الخليفة من بعده، وخليفة خليفته، والثالث الخليفة المظلوم عثمان، فکلّهم حسدتَ، وعلي کلّهم بغيتَ. عرفنا ذلک في نظرک الشَّزْر، وفي قولک الهجر، وفي تنفسّک الصُّعَداء، وفي إبطائک عن الخلفاء، تقاد إلي کلّ منهم کما يقاد الفحل

[صفحه 19]

المخشوش[2] حتي تبايع وأنت کاره.

ثمّ لم تکن لأحد منهم بأعظم حسداً منک لابن عمّک عثمان، وکان أحقَّهم ألّا تفعل به ذلک في قرابته وصهره؛ فقطعت رحمه، وقبَّحت محاسنه، وألّبت الناس عليه، وبطنت وظهرت، حتي ضرِبَتْ إليه آباط الإبل، وقِيدت إليه الخيل العِراب، وحُمل عليه السلاح في حرم رسول اللَّه، فقُتل معک في المحلّة وأنت تسمع في داره الهائعة، لا تردع الظنّ والتُّهَمة عن نفسک فيه بقول ولا فعل.

فاُقسم صادقاً أن لو قمتَ فيما کان من أمره مقاماً واحداً تُنَهْنِه الناس عنه ما عدل بک من قبلنا من الناس أحداً، ولمحا ذلک عندهم ما کانوا يعرفونک به من المجانبة لعثمان والبغي عليه.

واُخري أنت بها عند أنصار عثمان ظَنين:[3] إيواؤک؛ قتلة عثمان، فهم عضدک وأنصارک ويدک وبطانتک. وقد ذُکِر لي أنّک تَنَصَّلُ من دمه، فإن کنت صادقاً فأمکِنّا من قتلته نقتلهم به، ونحن أسرع الناس إليک. وإلّا فإنّه فليس لک ولا لأصحابکَ إلّا السيف.

والذي لا إله إلّا هو لنطلبنّ قتلة عثمان في الجبال والرمال، والبرّ والبحر، حتي يقتلهم اللَّه، أو لتلحقنّ أرواحنا باللَّه. والسلام.[4] .

2392- شرح نهج البلاغة- في ذکر کتابٍ کتبه معاوية إلي الإمام عليه السلام-: من معاوية

[صفحه 20]

ابن أبي سفيان إلي عليّ بن أبي طالب:

أمّا بعد؛ فإنّا بني عبد مناف لم نزل نَنْزع من قَلِيب واحد، ونجري في حلبة واحدة ليس لبعضنا علي بعض فضل، ولا لقائمنا علي قاعدنا فخر، کلمتنا مؤتلفة، واُلفَتُنا جامعة، ودارنا واحدة، يجمعنا کرم العرق، ويحوينا شرف النِّجار،[5] ويحنو قويّنا علي ضعيفنا، ويواسي غنيّنا فقيرنا، قد خلصت قلوبنا من وغل الحسد، وطهرت أنفسنا من خبث النيّة.

فلم نزل کذلک حتي کان منک ما کان من الإدهان في أمر ابن عمّک والحسد له ونصرة الناس عليه، حتي قتل بمشهد منک لا تدفع عنه بلسان ولا يد، فليتک أظهرت نصره حيث أسررت خبره، فکنت کالمتعلّق بين الناس بعذر وإن ضعف، والمتبرّئ من دمه بدَفع وإن وهن ولکنّک جلست في دارک تدسّ إليه الدواهي، وترسل إليه الأفاعي، حتي إذا قضيت وطرک منه أظهرت شماتة، وأبديت طلاقة، وحسرت للأمر عن ساعدک، وشمّرت عن ساقک، ودعوت الناس إلي نفسک، وأکرهت أعيان المسلمين علي بيعتک.

ثمّ کان منک بعد ما کان من قتلک شيخي المسلمين أبي محمّد طلحة، وأبي عبد اللَّه الزبير، وهما من الموعودين بالجنّة والمبشَّر قاتل أحدهما بالنار في الآخرة.

هذا إلي تشريدک باُمّ المؤمنين عائشة، وإحلالها محلّ الهون متبذّلة بين أيدي الأعراب وفسقة أهل الکوفة، فمن بين مشهر لها، وبين شامت بها، وبين ساخر منها، تري ابن عمّک کان بهذه لو رآه راضياً أم کان يکون عليک ساخطاً، ولک عنه

[صفحه 21]

زاجراً! أن تؤذي أهله، وتُشَرّد بحليلته، وتسفک دماء أهل ملّته.

ثمّ ترکک دار الهجرة التي قال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عنها: «إنّ المدينة لتنفي خبثها کما ينفي الکيرُ خبث الحديد» فلعمري لقد صحّ وعده، وصدق قوله، ولقد نفت خبثها، وطردت عنها من ليس بأهل أن يستوطنها، فأقمتَ بين المِصْرين، وبعدت عن برکة الحرمين، ورضيت بالکوفة بدلاً من المدينة، وبمجاورة الخورْنق والحيرة عوضاً عن مجاورة خاتم النبوّة، ومن قبل ذلک ما عبتَ خليفتَي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أيّام حياتهما، فقعدت عنهما، وألّبتَ عليهما، وامتنعت من بيعتهما، ورمت أمراً لم يرَک اللَّه تعالي له أهلاً، ورقِيت سُلِّماً وعراً وحاولت مقاماً دحضاً، وادّعيت ما لم تجد عليه ناصراً

ولعمري لو وَليتها حينئذٍ لما ازدادت إلّا فساداً واضطراباً، ولا أعقبت ولايتکها إلّا انتشاراً وارتداداً؛ لأنّک الشامخ بأنفه، الذاهب بنفسه، المستطيل علي الناس بلسانه ويده، وها أنا سائر إليک في جمع من المهاجرين والأنصار تحفّهم سيوف شاميّة، ورماح قحطانيّة، حتي يحاکموک إلي اللَّه.

فانظر لنفسک وللمسلمين، وادفع إليَّ قتلة عثمان؛ فإنّهم خاصّتک وخلصاؤک والمحدقون بک، فإن أبيت إلّا سلوک سبيل اللجاج والإصرار علي الغيّ والضلال فاعلم أنّ هذه الآية إنّما نزلت فيک وفي أهل العراق معک: «وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً کَانَتْء َامِنَةً مُّطْمَل-ِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن کُلِّ مَکَانٍ فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَ قَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا کَانُواْ يَصْنَعُونَ».[6] [7] .

[صفحه 22]



صفحه 18، 19، 20، 21، 22.





  1. الکامل للمبرّد: 423:1، شرح نهج البلاغة: 88:3، العقد الفريد: 329:3، المناقب للخوارزمي: 240:203، الإمامة والسياسة: 121:1 والثلاثة الأخيرة نحوه؛ بحارالأنوار: 365:394:32.
  2. هو الذي جُعل في أنفه الخِشاش؛ وهو عُوَيد يُجعل في أنف البعير يشدُّ به الزِّمام؛ ليکون أسرع لانقياده (النهاية: 34:2 وص 33).
  3. من الظِّنَّة: الشکّ والتهمة (النهاية: 163:3).
  4. وقعة صفّين: 85، بحارالأنوار: 408:108:33؛ شرح نهج البلاغة: 73:15، المناقب للخوارزمي: 250 نحوه.
  5. أي الأصل والحسب (لسان العرب: 193:5).
  6. النحل: 112.
  7. شرح نهج البلاغة: 251:17؛ بحارالأنوار: 402:89:33.