سبب انخداع جيش الإمام











سبب انخداع جيش الإمام



والآن نُجيل النظر في أسباب انخداع جيش الإمام عليّ عليه السلام؛ ولماذا لم يدرکوا

[صفحه 250]

أو لم يريدوا أن يدرکوا بأنّ رفع المصاحف علي الرماح لم يکن إلّا مکيدة أراد بها الشاميّون إيقاف القتال؟ ولماذا لم يُصغوا لکلام إمامهم، وأرغموه علي قبول التحکيم؟

ينبغي الإجابة عن هذا السؤال بالقول: إنّه وإن کان ثمّة أفراد في جيش الإمام کانوا طوع أمره، وأرادوا أن تستمرّ المعرکة حتّي انتصار جيش الکوفة، إلّا أنّ الوثائق التاريخيّة تُثبت أنّ الأکثريّة العظمي من جيش الإمام کانت قد سئمت الحرب أوّلاً، وکانوا يعلمون أنّهم حتي لو انتصروا فلن يحصلوا علي أيّة غنائم- مثلما حدث في معرکة الجمل- ثانياً؛ ومن هنا فهم کانوا يفتقدون الدوافع المحفزة علي مواصلة القتال. وعندما عرض عديّ بن حاتم علي الإمام عليه السلام مواصلة الحرب قائلاً: يا أميرالمؤمنين، ألا نقوم حتي نموت؟

قال عليّ عليه السلام: «ادنُهْ»، فدنا حتّي وضع اُذنه عند أنفه، فقال: «ويحک! إنّ عامّة من معي يعصيني، ومعاوية فيمن يُطيعه ولا يعصيه».

نعم، فقد کان قرّاء الکوفة- الذين کان لهم دور أساسي في جيش الإمام- من جملة هذه الشِّرْذِمة، ونظراً لمکانتهم بين أهل الکوفة، فقد أصبح لهم الدور الأکبر في صياغة هذا المشهد الأليم، وکان جهلهم وغرورهم بمثابة الغشاء الذي حال بينهم وبين إدراک الخدعة التي لجأ إليها الشاميّون برفع المصاحف علي الرماح لغرض إيقاف الحرب والحيلولة دون هزيمتهم المتوقّعة، وقد أدّي التطرّف الديني-[1] المقرون بالجهل والحماقة- بهؤلاء العبّاد الجهلة إلي إرغام إمامهم علي قبول التحکيم.

[صفحه 251]

وممّا دعم الموقف الأحمق للقرّاء في تلک الأثناء وساهم في نجاح مکيدة معاوية لإيقاف الحرب وبثّ الفرقة في جيش الإمام- کما سبقت الإشارة إليه- هو موقف اُولئک الذين کانوا يتعاملون مع الإمام تعاملاً منافقاً، ومن کانوا يمنّون أنفسهم بوعود معاوية، وعلي رأسهم الأشعث بن قيس.

فالأشعث بن قيس من قبيلة کندة التي کانت تقطن جنوب الجزيرة العربيّة، وقد وفد علي الرسول صلي الله عليه و آله مع جماعة من قومه في السنة العاشرة للهجرة، وأسلم، ثمّ ارتدّ بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله، فبعث أبوبکر جيشاً لقتاله، واُسر واقتيد مکبّلاً بالأغلال إلي المدينة، فعفا عنه أبوبکر وزوّجه اُخته!!

وبعد مقتل عثمان بايع عليّاً عليه السلام، بيد أنّه لم يکن يتعامل معه بإخلاص؛ فمواقفه إزاء الإمام وخاصّة فيما يتعلّق بالتحکيم، وبثّ الفرقة بين صفوف جيش الإمام، تشير إلي أنّه تحوّل إلي واحد من العناصر المندسّة في جيش الإمام لصالح معاوية. إلّا أنّ الإمام عليّ عليه السلام لم يکن قادراً علي البتّ في أمره؛ بسبب مکانته الاجتماعيّة وضخامة قبيلته التي کان لها دور مؤثّر في جيش الکوفة.



صفحه 250، 251.





  1. راجع: وقعة النهروان: دراسة حول المارقين وجذور انحرافهم.