موضوع التحكيم











موضوع التحکيم



لنتطلّع الآن في موضوع الحَکَميّة، وما الذي يجب أن يحکم فيه الحکمان؟

لا يلاحظ في وثيقة التحکيم ما يشير إلي موضوع التحکيم، ولا واجبات وصلاحيّات الحکَمَين، وإنّما اشتملت علي واجب عامّ للحکَمَين وهو «أن ينزل الحَکَمان عند حکم القرآن، وما لم يجداه مسمّيً في الکتاب ردّاه إلي سنّة رسول اللَّه».

لم يرد في نصّ الوثيقة ما يشير إلي موضوع التحکيم قطّ، أو أنّه يُعني بالنظر في أمر قتَلة عثمان؛ کما أشار البعض إلي «أنّ الذي يُستشفّ من کتب وکلمات معاوية أنّ ما فُوّض إلي الحَکَمين هو النظر في أمر قتلة عثمان، وهل کانوا محقّين في عملهم أم لا؟».[1] .

أوَهل کان موضوع التحکيم واضحاً بحيث لم تکن هناک ضرورة لإدراجه في

[صفحه 249]

نصّ الوثيقة؟ أم يحتمل أنّ موضوع التحکيم کان موجوداً في الوثيقة، إلّا أنّه حُذف أو حُرِّف لاحقاً؟

الذي يبدو أنّ تحريف نصّ الوثيقة کان أمراً مستبعداً، وکذلک لو کان موضوع التحکيم يختصّ بقتلة عثمان لاُشير إليه في نصّ الوثيقة. وما جاء في کلام الإمام أو في رسائله إلي معاوية لا يکشف عن أنّ مسألة قتلة عثمان کان أحد مواضيع التحکيم.

ويظهر أنّ موضوع التحکيم يختصّ بحلّ اختلافات الجانبين، ولا توجد حاجة لتعيينه؛ فقد يکون الاختلاف تارة حول مسائل الزواج، کما جاء في الآية (35) من سورة النساء، أو مسائل سياسيّة، کما وقع في معرکة صفّين، أو مسائل اُخري. وفي کلّ الحالات يجب علي الحکمين البتّ في جميع المسائل المختلف عليها بين الفريقين المتنازعين، وتوفير أجواء المصالحة بينهما.

ومعني هذا الکلام عدم تخصيص موضوع الحکَميّة في معرکة صفّين بمسألة قتلة عثمان، وإنّما کان يشمل جميع الاُمور المتنازع عليها بين عليّ عليه السلام ومعاوية. وهذا هو السبب الذي جعل الوثيقة خالية من ذکر أيّ موضوع خاصّ، إلّا أنّ هذا المعني لم يکن يشمل تعيين الخليفة، وإنّما کان واجب الحکمين البتّ في تنازع جيش الکوفة والشام ووضع حدّ لحالة الحرب وسفک الدماء. والحقيقة هي أنّ ما اُعلن بوصفه رأياً نهائيّاً علي أثر الخديعة التي حاکها عمرو بن العاص، جاء خارج موضوع التحکيم وفوق الصلاحيّات المفوّضة إلي الحَکَمين.



صفحه 249.





  1. علي از زبان علي «علي عن لسان علي»: 125.