سبب قبول التحكيم











سبب قبول التحکيم



السؤال الأوّل الذي يتبادر إلي الأذهان هو: لماذا وافق الإمام علي فکرة التحکيم؟ فهل إنّه کان في شکّ من أمره ومواقفه؟ بل ما معني التحکيم بين الحقّ والباطل؟ أوَلم تکن الحکمة والسياسة تقضيان أن يقاوم الإمام ضغوط رهْط من جيشه، ولا ينصاع لفکرة التحکيم؟

[صفحه 246]

وفي معرض الإجابة عن هذه التساؤلات نقول: بلي، إنّ مقتضي الحکمة والسياسة ألّا يقبل الإمام بالتحکيم، إلّا أنّه عليه السلام- کما تفيد الوثائق التاريخيّة القطعيّة- لم يقبل التحکيم بإرادته وإنّما فُرض عليه فرضاً، ولم تکن مقاومته أمام ذلک الرأي الساذج تُجديه نفعاً، بل کانت تؤدّي إلي وقوع معرکة النهروان في صفّين، وسيضطرّ الإمام إلي محاربة قسم کبير من جيشه في ذات الميدان الذي کان يقاتل فيه جيش الشام.

عندما أدرک معاوية بأنّه لا طاقة له علي الصمود أمام جيش الإمام، وأنّ الحرب لو استمرت لکان الانتصار الحاسم حليف الإمام، لجأ- بما لديه من معرفة بفريق واسع من جيش الإمام، وبناءً علي اقتراح من عمرو بن العاص- إلي حيلتين شيطانيّتين خطيرتين: الاُولي هدفها إيقاف القتال مؤقّتاً، بينما ترمي الثانية إلي تمزيق أو إضعاف جيش الإمام. وقد آتت کلتا الحيلتين اُکلهما بمعاضدة العناصر المتغلغلة في جيش الإمام.

کانت الحيلة الاُولي رفع القرآن علي الرماح، ودعوة الإمام إلي تحکيم القرآن، حتي أوقف القتال، أمّا الحيلة الثانية فکانت قضيّة التحکيم التي تمّ حبکها علي نحو أکثر تعقيداً، ممّا أدّي في خاتمة المطاف إلي وقوف قطاع من خيرة جيشه في وجهه.

وهذا هو السبب الذي دفع الإمام لاحقاً إلي مقاتلة أنصاره في معرکة النهروان. ولم يکن أمامه مناص في معرکة صفّين سوي الانصياع لضغوطهم وقبول التحکيم. وهناک قول مشهور للإمام في وصف حالته أثناء قبول التحکيم: «لقد کنت أمسِ أميراً، فأصبحت اليوم مأموراً! وکنتُ أمس ناهياً، فأصبحت

[صفحه 247]

اليوم منهيّاً!». وهو يعبّر بکلّ وضوح عن هذا الواقع المرير.



صفحه 246، 247.