مفاوضات الحَكَمين











مفاوضات الحَکَمين



2619- شرح نهج البلاغة عن أبي جناب الکلبي: إنّ عمراً وأباموسي لمّا التقيا

[صفحه 238]

بدومة الجندل أخذ عمرو يقدِّم أباموسي في الکلام، ويقول: إنّک صحبت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قبلي، وأنت أکبر منّي سّناً، فتکلّم أنت، ثمّ أتکلّم أنا، فجعل ذلک سُنّة وعادة بينهما، وإنّما کان مکراً وخديعةً واغتراراً له أن يقدِّمه؛ فيبدأبخلع عليّ، ثمّ يري رأيه.

وقال ابن ديزيل في کتاب «صفّين»:

أعطاه عمرو صدر المجلس، وکان لا يتکلّم قبله، وأعطاه التقدّم في الصلاة، وفي الطعام لا يأکل حتي يأکل، وإذا خاطبه فإنّما يخاطبه بأجلّ الأسماء ويقول له: يا صاحب رسول اللَّه، حتي اطمأنّ اليه وظنّ أنّه لا يغشّه.[1] .

2620- تاريخ الطبري عن الزهري- في بيان ما جري بين الحکمين-: قال عمرو: يا أباموسي، أأنت علي أن نُسمّي رجلاً يلي أمر هذه الاُمّة؟ فسمِّه لي؛ فإن أقدر علي أن اُتابعک فلک عليَّ أن اُتابعک، وإلّا فلي عليک أن تُتابعني!

قال أبوموسي: اُسمّي لک عبد اللَّه بن عمر. وکان ابن عمر فيمن اعتزل.

قال عمرو: إنّي اُسمّي لک معاوية بن أبي سفيان، فلم يبرحا مجلسهما حتي استبّا.[2] .

2621- تاريخ الطبري عن أبي جناب الکلبي- في ذکر خبر اجتماع الحکمين-: قال أبوموسي: أما واللَّه، لئن استطعت لاُحيينّ اسم عمر بن الخطّاب.

فقال له عمرو: إن کنت تحبّ بيعة ابن عمر، فما يمنعک من ابني وأنت تعرف

[صفحه 239]

فضله وصلاحه!

فقال: إنّ ابنک رجل صدق، ولکنّک قد غمسته في هذه الفتنة.[3] .

2622- مروج الذهب: دعا عمرو بصحيفة وکاتب، وکان الکاتب غلاماً لعمرو، فتقدّم إليه ليبدأ به أولاً دون أبي موسي؛ لما أراد من المکر به، ثمّ قال له بحضرة الجماعة:

اکتب؛ فإنّک شاهد علينا، ولا تکتب شيئاً يأمرک به أحدنا حتي تستأمر الآخر فيه، فإذا أمرک فاکتب، وإذا نهاک فانتهِ حتي يجتمع رأينا، اکتب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما تقاضي عليه فلان وفلان، فکتب وبدأ بعمرو، فقال له عمرو: لا اُمّ لک! أتقدّمني قبله کأنّک جاهل بحقّه؟! فبدأ باسم عبد اللَّه بن قيس، وکتب: تقاضَيا علي أنّهما يشهدان أن لا إلهَ إلّا اللَّه، وحده لا شريک له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالهدي ودين الحقّ ليظهره علي الدين کلّه ولو کره المشرکون.

ثمّ قال عمرو: ونشهد أنّ أبابکر خليفة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عمل بکتاب اللَّه وسنّة رسول اللَّه حتي قبضه اللَّه إليه، وقد أدَّي الحقّ الذي عليه، قال أبوموسي: اکتب، ثمّ قال في عمر مثل ذلک، فقال أبوموسي: اکتب.

ثمّ قال عمرو: واکتب: وأنّ عثمان وليّ هذا الأمر بعد عمر علي إجماع من المسلمين وشوري من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ورضيً منهم، وأنّه کان مؤمناً، فقال أبوموسي الأشعري: ليس هذا ممّا قعدنا له، قال عمرو: واللَّه لابدّ من أن يکون مؤمناً أو کافراً، فقال أبوموسي: کان مؤمناً، قال عمرو: فَمُره يکتب قال

[صفحه 240]

أبوموسي: اکتب، قال عمرو: فظالماً قُتِلَ عثمان أو مظلوماً، قال أبوموسي: بل قُتل مظلوماً، قال عمرو: أفليس قد جعل اللَّه لوليّ المظلوم سلطاناً يطلب بدمه؟ قال أبوموسي: نعم، قال عمرو: فهل تعلم لعثمان وليّاً أولي من معاوية؟ قال أبوموسي: لا، قال عمرو: أفليس لمعاوية أن يطلب قاتله حيثما کان حتي يقتله أو يعجز عنه؟ قال أبوموسي: بلي، قال عمرو للکاتب: اکتب، وأمره أبوموسي فکتب، قال عمرو: فإنّا نقيم البيّنة أنّ عليّاً قتل عثمان، قال أبوموسي: هذا أمر قد حَدَثَ في الإسلام، وإنّما اجتمعنا لغيره، فهلمّ إلي أمر يُصلح اللَّه به أمر اُمّة محمّد، قال عمرو: وما هو؟ قال أبوموسي: قد علمت أنّ أهل العراق لا يحبّون معاوية أبداً، وأنّ أهل الشام لا يُحبّون عليّاً أبداً؛ فهلمّ نخلعهما جميعاً ونستخلف عبد اللَّه بن عمر! وکان عبد اللَّه بن عمر علي بنت أبي موسي.[4] .

2623- العقد الفريد عن أبي الحسن- في ذکر اجتماع الحَکَمين-: اُخلي لهما[عمرو بن العاص وأبي موسي] مکان يجتمعان فيه، فأمهله عمرو بن العاص ثلاثة أيّام، ثمّ أقبل إليه بأنواع من الطعام يُشهّيه بها، حتي إذا استبطن أبوموسي ناجاه عمرو، فقال له: يا أباموسي! إنّک شيخ أصحاب محمّد صلي الله عليه و آله، وذو فضلها، وذو سابقتها، وقد تري ما وقعت فيه هذه الاُمّة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها، فهل لک أن تکون ميمون هذه الاُمّة؛ فيحقن اللَّه بک دماءها؛ فإنّه يقول في نفس واحدة: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»،[5] فکيف بمن أحيا أنفس هذا الخلق کلّه!

قال له: وکيف ذلک؟ قال: تخلع أنت عليّ بن أبي طالب، وأخلع أنا معاوية بن

[صفحه 241]

أبي سفيان، ونختار لهذه الاُمّة رجلاً لم يحضر في شي ء من الفتنة، ولم يغمس يده فيها.

قال له: ومن يکون ذلک؟- وکان عمرو بن العاص قد فهم رأي أبي موسي في عبد اللَّه بن عمر- فقال له: عبد اللَّه بن عمر. فقال: إنّه لَکَما ذکرت، ولکن کيف لي بالوثيقة منک؟

فقال له: يا أباموسي، «أَلَا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَل-نُّ الْقُلُوبُ »،[6] خذ من العهود والمواثيق حتي ترضي.

ثمّ لم يُبْقِ عمرو بن العاص عهداً ولا موثقاً ولا يميناً مؤکّدة حتي حلف بها، حتي بقي الشيخ مبهوتاً، وقال له: قد أحببتُ.[7] .



صفحه 238، 239، 240، 241.





  1. شرح نهج البلاغة: 254:2، ينابيع المودّة: 24:2؛ وقعة صفّين: 544 نحوه، بحارالأنوار: 300:33.
  2. تاريخ الطبري: 58:5 وراجع وقعة صفّين: 540.
  3. تاريخ الطبري: 68:5، الکامل في التاريخ: 396:2، الأخبار الطوال: 199 نحوه؛ وقعة صفّين: 541.
  4. مروج الذهب: 407:2.
  5. المائدة: 32.
  6. الرعد: 28.
  7. العقد الفريد: 340:3.