الاجوبة الواعية للإمام











الاجوبة الواعية للإمام



2389- الإمام عليّ عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية جواباً، وهو من محاسن الکتب-: أمّا بعد؛ فقد أتاني کتابک تذکر فيه اصطفاء اللَّه محمّداً صلي الله عليه و آله لدينه وتأييده

[صفحه 14]

إيّاه بمن أيّده من أصحابه، فلقد خبأ لنا الدهر منک عجباً، إذ طفقت تخبرنا ببلاء اللَّه تعالي عندنا ونعمته علينا في نبيّنا، فکنت في ذلک کناقل التمر إلي هَجَر أو داعي مُسدِّده إلي النِّضال.

وزعمت أنّ أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان، فذکرت أمراً إن تمّ اعتزلک کلّه، وإن نقص لم يلحقک ثلمه. وما أنت والفاضل والمفضول، والسائس والمسوس؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأوّلين، وترتيب درجاتهم، وتعريف طبقاتهم. هيهات لقد حَنَّ قِدْحٌ ليس منها، وطفق يحکم فيها من عليه الحکم لها.

ألا تربَع- أيّها الإنسان- علي ظَلْعِک، وتعرف قصور ذَرْعک؟ وتتأخّر حيث أخّرک القدر؟ فما عليک غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر، وإنّک لذَهَّاب في التيهِ، روّاغ عن القصد.

ألا تري- غير مخبر لک ولکن بنعمة اللَّه اُحدِّث- أنّ قوماً استُشهدوا في سبيل اللَّه تعالي من المهاجرين والأنصار- ولکلّ فضل- حتي إذا استُشهد شهيدنا قيل: سيّد الشهداء، وخصّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بسبعين تکبيرة عند صلاته عليه.

أوَلا تري أنّ قوماً قُطعت أيديهم في سبيل اللَّه- ولکلّ فضل- حتي إذا فُعل بواحدنا ما فعل بواحدهم قيل: الطيّار في الجنّة وذو الجناحين، ولولا ما نهي اللَّه عنه من تزکية المرء نفسه لذکر ذاکر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجّها آذان السامعين، فدعْ عنک من مالت به الرمية؛ فإنّا صنائع ربّنا، والناس بعدُ صنائع لنا. لم يمنعنا قديم عزّنا ولا عادي طَوْلنا علي قومک أن خلطناکم بأنفسنا، فنکحنا وأنکحنا فعل الأکفاء، ولستم هناک.

وأنّي يکون ذلک ومنّا النبيّ ومنکم المکذِّب، ومنّا أسد اللَّه ومنکم أسد

[صفحه 15]

الأحلاف، ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ومنکم صبية النار، ومنّا خير نساء العالمين ومنکم حمّالة الحطب في کثير ممّا لنا وعليکم؛ فإسلامنا قد سُمع، وجاهليّتنا لا تُدفع، وکتاب اللَّه يجمع لنا ما شذّ عنّا وهو قوله سبحانه وتعالي: «وَأُوْلُواْ الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ فِي کِتَبِ اللَّهِ»[1] وقوله تعالي: «إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْرَ هِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَء َامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ»[2] فنحن مرّة أولي بالقرابة، وتارة أولي بالطاعة. ولمّا احتجّ المهاجرون علي الأنصار يوم السقيفة برسول اللَّه صلي الله عليه و آله فلجوا عليهم، فإن يکن الفلج به فالحقّ لنا دونکم، وإن يکن بغيره فالأنصار علي دعواهم.

وزعمت أنّي لکلّ الخلفاء حسدت وعلي کلّهم بغيت، فإن يکن ذلک کذلک فليست الجناية عليک فيکون العذر إليک:

وتلک شکاة ظاهرٌ عنک عارُها

وقلت إنّي کنت اُقاد کما يقاد الجمل المخشوش حتي اُبايع، ولعمر اللَّه لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح فافتَضحت! وما علي المسلم من غضاضة في أن يکون مظلوماً ما لم يکن شاکّاً في دينه، ولا مرتاباً بيقينه. وهذه حجّتي إلي غيرک قصدها، ولکنّي أطلقت لک منها بقدر ما سنح من ذکرها.

ثمّ ذکرت ما کان من أمري وأمر عثمان فلک أن تجاب عن هذه لِرَحِمِک منه، فأيّنا کان أعدي له وأهدي إلي مَقاتله. أمَن بذل له نصرته فاستقعده واستکفَّه، أم من استنصره فتراخي عنه وبثَّ المنون إليه حتي أتي قدره عليه؟

[صفحه 16]

کلا واللَّه ل«قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنکُمْ وَ الْقَآلِلِينَ لِإِخْوَ نِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَ لَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً»[3] وما کنت لأعتذر من أنّي کنت أنقم عليه أحداثاً، فإن کان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له فرُبَّ ملوم لا ذنب له:

وقد يستفيد الظِّنَّة المتنصِّحُ.

وما أردت إلّا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلاّ باللَّه عليه توکلت وإليه اُنيب.

وذکرت أنّه ليس لي ولاصحابي عندک إلّا السيف فلقد أضحکتَ بعد استعبار! متي ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناکلين، وبالسيف مُخَوَّفين؟! فَ

لَبِّثْ قليلاً يلحقِ الهيجا حَمَل

فسيطلبک من تطلب، ويقرب منک ما تستبعد، وأنا مرقلٌ نحوک في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، شديدٌ زحامُهم، ساطع قَتامهم، متسربلين سرابيل الموت، أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم، وقد صَحِبَتْهم ذرّيّةٌ بدريّةٌ وسيوف هاشميّة، قد عَرَفْتَ مواقع نِصالها في أخيک وخالک وجدّک وأهلک[4] .

[صفحه 17]

«وَ مَا هِيَ مِنَ الظَّلِمِينَ بِبَعِيدٍ».[5] [6] .



صفحه 14، 15، 16، 17.





  1. الأنفال: 75.
  2. آل عمران: 68.
  3. الأحزاب: 18.
  4. إليک خلاصة ما ذکره ابن أبي الحديد في شرح ألفاظ الجواب المذکور: هَجَر: اسم مدينة کثيرة النخل يُحمل منها التمر إلي غيرها. مسدّده: معلِّمه، والنِّضال: الرمي. فلان وفلان: اُبو بکر و عمر. حَنَّ قِدح ليس منها: مثلٌ يُضرب لمن يُدخل نفسه بين قوم ليس له أن يدخل بينهم، وأصله القِداح من عود واحد يَجعل فيها قِدْح من غير ذلک الخشب، فيصوّت بينها إذا أرادها المفيض، فذلک الصوت هو حَنينُه. وتربَع: أي ترفق بنفسک وتکفّ ولا تحمل عليها ما لا تطيقه. والظَّلْع: مصدر ظَلَع البعير يظلعُ أي غمز في مشية. قُطعت أيديهم: إشارة إلي جعفر. عاديّ طولنا: أي قديم فضلنا. المکذِّب: أبوسفيان. أسدُ اللَّه: حمزة. أسد الأحلاف: عتبة بن ربيعة. صِبية النار: صِبية عُقبة بن أبي معيط (شرح نهج البلاغة: 188:15 تا 196).
  5. هود: 83.
  6. نهج البلاغة: الکتاب 28، الاحتجاج: 90:417:1، بحارالأنوار: 398:57:33 وراجع الفتوح: 534:2 تا 537. قال ابن أبي الحديد: سألت النقيب أباجعفر يحيي بن أبي زيد فقلت: أري هذا الجواب منطبقاً علي کتاب معاوية الذي بعثه مع أبي مسلم الخولاني إلي عليّ عليه السلام، فإن کان هذا هو الجواب فالجواب الذي ذکره أرباب السيرة، وأورده نصر بن مزاحم في وقعة صفّين إذاً غير صحيح، وإن کان ذلک الجواب فهذا الجواب إذاً غير صحيح ولا ثابت؛ فقال لي: بل کلاهما ثابت مرويّ (شرح نهج البلاغة: 184:15 وراجع وقعة صفّين: 88).