وصيّة شريح بن هاني لأبي موسي
يا أباموسي! إنّک قد نُصبت لأمر عظيم لا يُجبر صدعُه، ولا يستقال فتقُه، ومهما تقُل شيئاً لک أو عليک يثبت حقّه ويُرَ صحّته وإن کان باطلاً. وإنّه لا بقاء لأهل العراق إن ملکها معاوية، ولا بأس علي أهل الشام إن ملکها عليّ. وقد کانت منک تثبيطةٌ أيّام قدمت الکوفة؛ فإن تشفعها بمثلها يکن الظنّ بک يقيناً، والرجاء منک يأساً، وقال شريح في ذلک: أباموسي رُميتَ بشرّ خصمٍ وأعطِ الحقَّ شامَهمُ وخذْهُ وإنّ غداً يجي ء بما عليه ولا يخدِعْک عمرٌو إنّ عمراً له خدعٌ يحار العقل فيها [صفحه 235] فلا تجعل معاوية بن حربٍ هداه اللَّه للإسلام فرداً فقال أبوموسي: ما ينبغي لقوم اتّهموني أن يُرسلوني لأدفع عنهم باطلاً أو أجرّ إليهم حقّاً...و سار مع عمرو بن العاص شرحبيلُ بن السمط الکندي في خيل عظيمة، حتي إذا أمن عليه خيل أهل العراق ودّعه، ثمّ قال: يا عمرو! إنّک رجل قريش، وإنّ معاوية لم يبعثک إلّا ثقة بک، وإنّک لن تؤتي من عجز ولا مکيدة، وقد عرفتَ أن وطّأتُ هذا الأمر لک ولصاحبک، فکُن عند ظنّنا بک. ثمّ انصرف، وانصرف شريح بن هانئ حين أمن أهل الشام علي أبي موسي، وودّعه هو ووجوه الناس.[1] .
2615- وقعة صفّين عن الجرجاني: لمّا أراد أبوموسي المسير قام شريح، فأخذ بيد أبي موسي فقال:
فلا تُضعِ العراق فدتک نفسي!
فإنّ اليوم في مَهَل کأمسِ
يدور الأمر من سعد ونحسِ
عدوّ اللَّه مطلع کلّ شمسِ
مموّهة مزخرفة بلَبسِ
کشيخٍ في الحوادث غير نکسِ
سوي بنت النبيّ، وأيُّ عِرسِ
صفحه 235.