خطبة الإمام عند منصرفه من صفّين
وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريک له، شهادةً مُمتحناً إخلاصها، معتقداً مُصاصُها، نتمسّک بها أبداً ما أبقانا. وندّخرها لأهاويل ما يلقانا، فإنّها عزيمة الإيمان، وفاتحة الاحسان، ومرضاة الرحمن، ومدحرة الشيطان. وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بالدِّين المشهور، والعلم المأثور، والکتاب المسطور، والنور الساطع، والضياء اللّامع، والأمر الصادع، إزاحةً للشبهات، [صفحه 214] واحتجاجاً بالبيّنات. وتحذيراً بالآيات، وتخويفاً بالمَثُلات، والناس في فتنٍ انجذم فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري اليقين، واختلف النَّجْرُ[1] وتشتت الأمر، وضاق المخرج وعمي المصدر، فالهدي خامل والعمي شامل. عُصي الرحمن، ونصر الشيطان، وخذل الإيمان، فانهارت دعائمه، وتنکّرت معالمه، ودرست سبله، وعفَت شُرکُه. أطاعوا الشيطان فسلکوا مسالکه، ووردوا مناهله، بهم سارت أعلامه، وقام لواؤه في فتنٍ داستهم بأخفافها،[2] ووطِئتهم بأظلافها،[3] وقامت علي سنابکها،[4] فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون في خير دار وشرّ جيران. نومهم سهود وکُحلهم دموع، بأرض عالمها ملجم وجاهلها مکرم. [قال الشريف الرضي:] ومنها يعني آل النبيّ عليه الصلاة والسلام: هُم موضع سرّه، وَلَجَأ أمره، وعيبة[5] علمه، وموئل[6] حکمه، وکهوف کتبه، وجبال دينه، بهم أقام إنحناء ظهره وأذهب ارتعاد فرائصه. [قال شريف الرضي:] ومنها يعني قوماً آخرين: [صفحه 215] زرعوا الفجور، وسقوه الغرور، وحصدوا الثبور.[7] لا يقاس بآل محمّد صلي الله عليه و آله من هذه الاُمّة أحدٌ، ولا يُسوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً. هم أساس الدين، وعماد اليقين. إليهم يفي ءُ الغالي، وبهم يلحق التالي. ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصيّة والوراثة. الآن إذ رجع الحقّ إلي أهله، ونقل إلي منتقله.[8] .
2605- نهج البلاغة- من خطبة له عليه السلام بعد انصرافه من صفّين-: أحمدُه استتماماً لنعمته، واستسلاماً لعزّته، واستعصاماً من معصيته. وأستعينه فاقةً إلي کفايته؛ إنّه لا يضلّ من هداه، ولا يَئِلُ من عاداه، ولا يفتقر من کفاه؛ فإنّه أرجح ما وزن وأفضل ما خزن.
صفحه 214، 215.