كيد معاوية في حرب الدعاية











کيد معاوية في حرب الدعاية



2388- شرح نهج البلاغة عن النقيب أبي جعفر: کان معاوية يتسقّط عليّاً وينعي عليه ما عساه يذکره من حال أبي بکر وعمر وأنّهما غصباه حقّه، ولا يزال يکيده

[صفحه 10]

بالکتاب يکتبه والرسالة يبعثها يطلب غرّته؛[1] لينفث بما في صدره من حال أبي بکر وعمر إمّا مکاتبة أو مراسلة، فيجعل ذلک حجة عليه عند أهل الشام، ويضيفه إلي ما قرّره في أنفسهم من ذنوبه کما زعم، فقد کان غمصه[2] عندهم بأنّه قتل عثمان ومالأ علي قتله، وأنّه قتل طلحة والزبير وأسر عائشة وأراق دماء أهل البصرة، وبقيت خصلة واحدة وهو أن يثبت عندهم أنّه يتبرّأ من أبي بکر وعمر، وينسبهما إلي الظلم ومخالفة الرسول في أمر الخلافة، وأنّهما وثبا عليها غلبة وغصباه إياها.

فکانت هذه الطامة الکبري ليست مقتصرة علي فساد أهل الشام عليه، بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره؛ لأنهم کانوا يعتقدون إمامة الشيخين إلّا القليل الشاذّ من خواص الشيعة.

فلمّا کتب ذلک الکتاب مع أبي مسلم الخولاني[3] قصد أن يُغضب عليّاً ويحرجه ويحوجه إذا قرأ ذکر أبي بکر وأنّه أفضل المسلمين إلي أن يخلط خطه في الجواب بکلمة تقتضي طعناً في أبي بکر، فکان الجواب مُجمجماً غير بيّن ليس فيه تصريح بالتظليم لهما ولا التصريح ببراءتهما وتارةً يترحّم عليهما وتارةً يقول: أخذا حقّي وقد ترکته لهما.

فأشار عمرو بن العاص علي معاوية أن يکتب کتاباً ثانياً مناسباً للکتاب الأوّل؛ ليستفزّا فيه عليّاً عليه السلام ويستخِفّاه، ويحمله الغضب منه أن يکتب کلاماً يتعلّقان به في تقبيح حاله وتهجين مذهبه.

[صفحه 11]

وقال له عمرو: إنّ عليّاً عليه السلام رجل نزق تَيّاه، وما استطعمت منه الکلام بمثل تقريظ أبي بکر وعمر فاکتب. فکتب کتاباً أنفذه إليه مع أبي اُمامة الباهلي وهو من الصحابة بعد أن عزم علي بعثته مع أبي الدرداء ونسخة الکتاب:

من عبد اللَّه معاوية بن أبي سفيان إلي عليّ بن أبي طالب:

أمّا بعد؛ فإنّ اللَّه تعالي جدّه اصطفي محمّداً عليه السلام لرسالته واختصّه بوحيه وتأدية شريعته، فأنقذ به من العماية وهدي به من الغواية، ثمّ قبضه اليه رشيداً حميداً قد بلّغ الشرع ومحق الشرک وأخمد نار الإفک، فأحسن اللَّه جزاءه وضاعف عليه نعمه وآلاءه، ثمّ إنّ اللَّه سبحانه اختصّ محمّداً عليه السلام بأصحاب أيّدوه وآزروه ونصروه، وکانوا کما قال اللَّه سبحانه لهم: «أَشِدَّآءُ عَلَي الْکُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ»[4] فکان أفضلهم مرتبة وأعلاهم عند اللَّه والمسلمين منزلة الخليفة الأوّل، الذي جمع الکلمة ولمّ الدعوة وقاتل أهل الردة، ثمّ الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح ومصّر الأمصار وأذل رقاب المشرکين، ثمّ الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملّة وطبّق الآفاق بالکلمة الحنيفيّة.

فلمّا استوثق الإسلام وضرب بجِرانه[5] عدوت عليه فبغيته الغوائل ونصبت له المکايد، وضربت له بطن الأمر وظهره ودسَست عليه وأغريت به، وقعدت حيث استنصرک عن نصره وسألک أن تدرکه قبل أن يمزّق فما أدرکته، وما يوم المسلمين منک بواحد.

لقد حسدت أبابکر والتويت عليه ورمت إفساد أمره، وقعدتَ في بيتک،

[صفحه 12]

واستغويت عصابة من الناس حتي تأخروا عن بيعته، ثمّ کرهت خلافة عمر وحسدته واستطلت مدته، وسررت بقتله وأظهرت الشماتة بمصابه حتي إنّک حاولت قتل ولده؛ لأنه قتل قاتل أبيه، ثمّ لم تکن أشدّ منک حسداً لإبن عمّک عثمان نشرت مقابحه وطويت محاسنه، وطعنت في فقهه ثمّ في دينه ثمّ في سيرته ثمّ في عقله، وأغريت به السفهاء من أصحابک وشيعتک حتي قتلوه بمحضر منک لا تدفع عنه بلسان ولا يدٍ، وما من هؤلاء إلّا من بغيت عليه وتلکّأت في بيعته حتي حُملت إليه قهراً تُساق بخزائم[6] الاقتسار کما يساق الفحل المخشوش، ثمّ نهضت الآن تطلب الخلافة، وقتلةُ عثمان خلصاؤک وسُجراؤک والمحدقون بک، وتلک من أمانيّ النفوس وضلالات الأهواء.

فدع اللجاج والعبث جانباً وادفع إلينا قتلة عثمان، وأعد الأمر شوري بين المسلمين ليتّفقوا علي من هو للَّه رضاً. فلا بيعة لک في أعناقنا ولا طاعة لک علينا ولا عتبي لک عندنا، وليس لک ولأصحابک عندي إلّا السيف، والذي لا إله إلّا هو لأطلبنّ قتلة عثمان أين کانوا وحيث کانوا حتي أقتلهم أو تلتحق روحي باللَّه.

فأمّا ما لا تزال تمنّ به من سابقتک وجهادک فإنّي وجدت اللَّه سبحانه يقول: «يَمُنُّونَ عَلَيْکَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلَمَکُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْکُمْ أَنْ هَدَلکُمْ لِلْإِيمَنِ إِن کُنتُمْ صَدِقِينَ»[7] ولو نظرت في حال نفسک لوجدتها أشدّ الأنفس امتناناً علي اللَّه بعملها، وإذا کان الامتنان علي السائل يبطل أجر الصدقة فالامتنان علي اللَّه يبطل أجر الجهاد ويجعله کَ«صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ و وَابِلٌ

[صفحه 13]

فَتَرَکَهُ و صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَي شَيْ ءٍ مِّمَّا کَسَبُواْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْکَفِرِينَ».[8] .

قال النقيب أبوجعفر: فلمّا وصل هذا الکتاب إلي عليّ عليه السلام مع أبي اُمامة الباهلي، کلّم أبااُمامة بنحو ممّا کلّم به أبامسلم الخولاني وکتب معه هذا الجواب.

قال النقيب: وفي کتاب معاوية هذا ذکر لفظ الجمل المخشوش أو الفحل المخشوش، لا في الکتاب الواصل مع أبي مسلم وليس في ذلک هذه اللفظة وإنّما فيه: «حسدت الخلفاء وبغيت عليهم عرفنا ذلک من نظرک الشَّزْر[9] وقولک الهُجْر[10] وتنفّسک الصعداء وإبطائک عن الخلفاء».

قال: وإنّما کثير من الناس لا يعرفون الکتابين، والمشهور عندهم کتاب أبي مسلم فيجعلون هذه اللفظة فيه، والصحيح أنّها في کتاب أبي اُمامة، ألا تراها عادت في جوابه؟ ولو کانت في کتاب أبي مسلم لعادت في جوابه.[11] .



صفحه 10، 11، 12، 13.





  1. الغِرَّة: الغَفلة (النهاية: 355:3).
  2. غَمَصَه: حَقَّرَه واستَصغَرَه ولم يَره شيئاً (لسان العرب: 61:7).
  3. راجع: رسائل معاوية إلي الإمام في دم عثمان.
  4. الفتح: 29.
  5. الجِرَان: باطن العُنُق. ومنه حديث عائشة «حتي ضربَ الحقُّ بِجرَانِه» أي قَرَّ قَرارُه واستقام، کما أنّ البعير إذا برَک واستراح مدّ عُنُقَه علي الأرض (النهاية: 263:1).
  6. الخِزَام: جمع خِزامة، وهي حَلقة من شعر تُجعل في أحد جانبي مَنخِرَي البعير (النهاية: 29:2).
  7. الحجرات: 17.
  8. البقرة: 264.
  9. الشَّزْر: النظر عن اليمين والشمال، وليس بمستقيم الطريقة. وقيل: هو النَّظرُ بمؤخر العين، وأکثرُ ما يکون النَّظرُ الشزْرُ في حال الغضَب وإلي الأعدَاء (النهاية: 470:2).
  10. أهْجَر في مَنْطقه يُهْجِرُ إهْجاراً إذا أفْحَش، وکذلک إذا أکثر الکلام فيما لاينبغي. والاسم: الهُجْر، بالضم. وهَجَريَهْجُر هَجْراً، بالفتح، إذا خلط في کلامه، وإذا هذي (النهاية: 245:5).
  11. شرح نهج البلاغة: 184:15؛ بحارالأنوار: 60:33.