مخالفة الإمام في تعيين الحَكَم











مخالفة الإمام في تعيين الحَکَم



2590- الإمام الباقر عليه السلام: لمّا أراد الناس عليّاً علي أن يضع حکمين قال لهم عليّ: إنّ معاوية لم يکن ليضع لهذا الأمر أحداً هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص، وإنّه لا يصلح للقرشي إلّا مثله، فعليکم بعبد اللَّه بن عبّاس فارموه به؛ فإنّ عمراً لا يعقد عقدة إلّا حلّها عبد اللَّه، ولا يحلّ عقدة إلّا عقدها، ولا يبرم أمراً إلّا نقضه، ولا ينقض أمراً إلّا أبرمه.

فقال الأشعث: لا واللَّه، لا يحکم فيها مضريّان حتي تقوم الساعة، ولکن اجعله رجلاً من أهل اليمن إذ جعلوا رجلاً من مضر.

فقال عليّ: إنّي أخاف أن يُخدع يَمنيّکم؛ فإنّ عمراً ليس من اللَّه في شي ء إذا کان له في أمر هوًي.

[صفحه 202]

فقال الأشعث: واللَّه، لأن يحکما ببعض مانکره، وأحدهما من أهل اليمن، أحبّ إلينا من أن يکون بعض ما نحبّ في حکمهما وهما مضريّان.[1] .

2591- الإمام عليّ عليه السلام- من کلام له في شأن الحکمين وذمّ أهل الشام-: جُفاة طَغام، وعبيد أقزام، جُمعوا من کلّ أوْبٍ، وتُلُقِّطوا من کلّ شَوبٍ، ممّن ينبغي أن يُفقَّه ويُؤدَّبَ، ويُعلَّمَ ويُدرَّبَ، ويُولَّي عليه، ويُؤخَذَ علي يديه. ليسوا من المهاجرين والأنصار، ولا من الذين تبوّؤوا الدار والإيمان.

ألا وإنّ القوم اختاروا لأنفسهم أقرب القوم ممّا يُحبّون،[2] وإنّکم اخترتم لأنفسکم أقرب القوم ممّا تکرهون.

وإنّما عهدکم بعبد اللَّه بن قيس بالأمس يقول: «إنّها فتنة، فقطِّعوا أوتارکم، وشيموا سيوفکم». فإن کان صادقاً فقد أخطأ بمسيره غير مستکره، وإن کان کاذباً فقد لزمته التهمة.

فادفعوا في صدر عمرو بن العاص بعبد اللَّه بن العبّاس، وخذوا مَهَلَ الأيّام، وحوطوا قواصي الإسلام.ألا ترون إلي بلادکم تغزي، وإلي صفاتکم تُرمي؟[3] .

2592- وقعة صفّين: ذکروا أنّ ابن الکوّاء قام إلي عليّ فقال: هذا عبد اللَّه بن قيس وافد أهل اليمن إلي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وصاحب مقاسِم أبي بکر، وعامل عمر، وقد رضي به القوم. وعرضنا علي القوم عبد اللَّه بن عبّاس فزعموا: أنّه قريب القرابة منک، ظنونٌ في أمرک.[4] .

[صفحه 203]

2593- الأخبار الطوال: اجتمع قرّاء أهل العراق وقرّاء أهل الشام، فقعدوا بين الصفّين، ومعهم المصحف يتدارسونه، فاجتمعوا علي أن يُحکّموا حکمين، وانصرفوا.

فقال أهل الشام: قد رضينا بعمرو.

وقال الأشعث ومن کان معه من قرّاء أهل العراق: قد رضينا نحن بأبي موسي.

فقال لهم عليّ: لست أثق برأي أبي موسي، ولا بحزمه، ولکن أجعل ذلک لعبد اللَّه بن عبّاس.

قالوا: واللَّه، ما نفرّق بينک وبين ابن عبّاس، وکأنّک تريد أن تکون أنت الحاکم، بل اجعله رجلاً هو منک ومن معاوية سواء، ليس إلي أحد منکما بأدني منه إلي الآخر.

قال عليّ رضي الله عنه: فلِمَ ترضون لأهل الشام بابن العاص، وليس کذلک؟

قالوا: اُولئک أعلم، إنّما علينا أنفسنا.

قال: فإنّي أجعل ذلک إلي الأشتر.

قال الأشعث: وهل سعّر هذه الحرب إلّا الأشتر؟ وهل نحن إلّا في حکم الأشتر؟

قال عليّ: وما حکمه؟

قال: يضرب بعض وجوه بعض حتي يکون ما يريد اللَّه.

قال: فقد أبيتم إلّا أن تجعلوا أباموسي؟!

قالوا: نعم.

[صفحه 204]

قال: فاصنعوا ما أحببتم.[5] .

2594- تاريخ الطبري عن أبي مخنف: جاء الأشعث بن قيس إلي عليّ فقال له: ما أري الناس إلّا قد رضوا، وسرّهم أن يجيبوا القوم إلي ما دعوهم إليه من حکم القرآن، فإن شئتَ أتيتُ معاوية فسألته ما يريد، فنظرت ما يسأل.

قال: ائته إن شئت فسله.

فأتاه فقال: يا معاوية! لأيّ شي ء رفعتم هذه المصاحف؟

قال: لنرجع نحن وأنتم إلي ما أمر اللَّه عزّ وجلّ به في کتابه، تبعثون منکم رجلاً ترضون به، ونبعث منّا رجلاً، ثمّ نأخذ عليهما أن يعملا بما في کتاب اللَّه لا يعدوانه، ثمّ نتّبع ما اتّفقا عليه.

فقال له الأشعث بن قيس: هذا الحقّ. فانصرف إلي عليّ فأخبره بالذي قال معاوية.

فقال الناس: فإنّا قد رضينا وقبلنا.

فقال أهل الشام: فإنّا قد اخترنا عمرو بن العاص.

فقال الأشعث واُولئک الذين صاروا خوارج بعد: فإنّا قد رضينا بأبي موسي الأشعري.

قال عليّ: فإنّکم قد عصيتموني في أوّل الأمر، فلا تعصوني الآن، إنّي لا أري أن اُولّي أباموسي.

فقال الأشعث، وزيد بن حُصين الطائي، ومسعر بن فدکي: لا نرضي إلّا به،

[صفحه 205]

فإنّه ما کان يحذّرنا منه وقعنا فيه.

قال عليّ: فإنّه ليس لي بثقة، قد فارقني، وخذّل الناس عنّي، ثمّ هرب منّي حتي آمنته بعد أشهر، ولکن هذا ابن عبّاس نولّيه ذلک.

قالوا: ما نبالي أنت کنت أم ابن عبّاس! لا نريد إلّا رجلاً هو منک ومن معاوية سواء، ليس إلي واحد منکما بأدني منه إلي الآخر.

فقال عليّ: فإنّي أجعل الأشتر.

قال أبومخنف:... أنّ الأشعث قال: وهل سعّر الأرض غير الأشتر؟!...

وهل نحن إلّا في حکم الأشتر؟!

قال عليّ: وما حکمه؟

قال: حکمه أن يضرب بعضنا بعضاً بالسيوف حتي يکون ما أردتَ وما أراد.

قال: فقد أبيتم إلّا أباموسي؟!

قالوا: نعم.

قال: فاصنعوا ما أردتم.

فبعثوا إليه وقد اعتزل القتال، وهو بعُرض،[6] فأتاه مولي له، فقال:

إنّ الناس قد اصطلحوا.

فقال: الحمد للَّه ربّ العالمين!

قال: قد جعلوک حکماً.

[صفحه 206]

قال: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون!

وجاء أبوموسي حتي دخل العسکر، وجاء الأشتر حتي أتي عليّاً فقال:

ألِزّني بعمرو بن العاص، فواللَّه الذي لا إله إلّا هو، لئن ملأتُ عيني منه لأقتلنّه. وجاء الأحنف فقال:

يا أميرالمؤمنين! إنّک قد رُميتَ بحجر الأرض، وبمن حارب اللَّه ورسوله أنف الإسلام، وإنّي قد عجمتُ[7] هذا الرجل، وحلبتُ أشطره، فوجدته کَليلَ الشفرة، قريبَ القعر، وإنّه لا يصلح لهؤلاء القوم إلّا رجل يدنو منهم حتي يصير في أکفّهم، ويبعد حتي يصير بمنزلة النجم منهم. فإن أبيَت أن تجعلني حکماً، فاجعلني ثانياً أو ثالثاً، فإنّه لن يعقد عقدة إلّا حللتُها، ولن يحلّ عقدة أعقدها إلّا عقدتُ لک اُخري أحکم منها.

فأبي الناس إلّا أباموسي والرضا بالکتاب.[8] .



صفحه 202، 203، 204، 205، 206.





  1. وقعة صفّين: 500 عن جابر؛ الفتوح: 198:4 نحوه.
  2. في المصدر: «تحبّون»، والتصحيح من شرح نهج البلاغة (309:13).
  3. نهج البلاغة: الخطبة 238، بحارالأنوار: 569:323:33.
  4. وقعة صفّين: 502؛ شرح نهج البلاغة: 231:2.
  5. الأخبار الطوال: 192 وراجع مروج الذهب: 401:2.
  6. عُرْض: بليدة في بريّة الشام تدخل في أعمال حلب (معجم البلدان: 103:4).
  7. يُقال: عَجَمتُ الرجلَ: إذا خَبَرتَه (لسان العرب: 390:12).
  8. تاريخ الطبري: 51:5، الکامل في التاريخ: 387:2، الفتوح: 193:3 تا 199؛ وقعة صفّين: 498 کلاهما نحوه.