رجوع الأشتر من المعركة











رجوع الأشتر من المعرکة



2581- وقعة صفّين عن إبراهيم بن الأشتر: کنت عند عليّ حين أکرهه الناس علي

[صفحه 194]

الحکومة، وقالوا: ابعث إلي الأشتر فليأتِک.

قال: فأرسل عليّ إلي الأشتر يزيد بن هانئ السبيعي أن ائتني.

فأتاه فبلّغه.

فقال: قل له: ليس هذه الساعة التي ينبغي لک أن تُزيلني فيها عن موقفي، إنّي قد رجوت أن يفتح لي؛ فلا تعجلني.

فرجع يزيد بن هانئ إلي عليّ فأخبره، فما هو إلّا أن انتهي إلينا، فارتفع الرَّهَج، وعَلَت الأصوات من قبل الأشتر، فقال له القوم: واللَّه ما نراک إلّا أمرته أن يقاتل.

قال: من أين ينبغي أن ترَوا ذلک! رأيتموني ساررتُه؟ أليس إنّما کلّمته علي رؤوسکم علانية، وأنتم تسمعونني!

قالوا: فابعث إليه فليأتک، وإلّا واللَّه اعتزلناک.

قال له: ويحَک يا يزيد! قل له: أقبِلْ إليَّ؛ فإنّ الفتنة قد وقعت!

فأبلغه ذلک، فقال له: ألرفعِ المصاحف؟ قال: نعم، قال: أما واللَّه، لقد ظننت حين رُفعت أنّها ستوقع اختلافاً وفرقة، إنّها مشورة ابن العاهرة،ألا تري ما صنع اللَّه لنا! أينبغي أن أدع هؤلاء وأنصرف عنهم!

وقال يزيد بن هانئ: فقلت له: أتحبِّ أنّک ظفرت هاهنا، وأنّ أميرالمؤمنين بمکانه الذي هو به يُفرج عنه أو يُسْلَم؟

قال: لا واللَّه، سبحان اللَّه!

قال: فإنّهم قد قالوا: لترسلنّ إلي الأشتر فليأتينّک أو لنقتلنّک کما قتلنا ابن عفّان.

[صفحه 195]

فأقبل حتي انتهي إليهم فقال:يا أهل العراق! يا أهل الذلّ والوهن! أحين علوتم القوم ظهراً، وظنّوا أنّکم لهم قاهرون، رفعوا المصاحف يدعونکم إلي ما فيها! وقد واللَّه ترکوا ما أمر اللَّه عزّ وجلّ به فيها، وسُنّة من اُنزلت عليه صلي الله عليه و آله؟ فلا تُجيبوهم، أمهلوني عدْو الفرس؛ فإنّي قد طمعت في النصر.

قالوا: إذن ندخل معک في خطيئتک، قال: فحدِّثوني عنکم؛ وقد قُتل أماثلکم، وبقي أراذلکم، متي کنتم محقّين؟ أحين کنتم تقاتِلون وخيارکم يُقتلون! فأنتم الآن إذ أمسکتم عن القتال مبطلون، أم الآن أنتم محقّون؟ فقتلاکم الذين لا تُنکرون فضلهم، فکانوا خيراً منکم، في النار إذاً!

قالوا: دعنا منک يا أشتر، قاتلناهم في اللَّه عزّ وجلّ، وندعْ قتالهم للَّه سبحانه، إنّا لسنا مطيعيک ولا صاحبک، فاجتنِبنا.

فقال: خُدعتم واللَّه فانخدعتم، ودُعيتم إلي وضع الحرب فأجبتم.

يا أصحاب الجباه السود! کنّا نظنّ صلواتکم زهادة في الدنيا، وشوقاً إلي لقاء اللَّه عزّ وجلّ، فلا أري فرارکم إلّا إلي الدنيا من الموت. ألا قبحاً يا أشباه النِّيب الجلّالة![1] وما أنتم برائين بعدها عزّاً أبداً، فابعدوا کما بعد القوم الظالمون!

فسبّوه، فسبّهم، فضربوا وجه دابّته بسياطهم، وأقبل يضرب بسوطه وجوه دوابّهم، وصاح بهم عليّ فکفّوا.[2] .

[صفحه 196]

2582- وقعة صفّين عن إبراهيم بن الأشتر- في بيان ماجري بعد رفع المصاحف-: قال الأشتر: يا أميرالمؤمنين! احمل الصفّ علي الصفّ يصرع القوم. فتصايحوا: إنّ عليّاً أميرالمؤمنين قد قبل الحکومة، ورضي بحکم القرآن، ولم يسعه إلّا ذلک.

قال الأشتر: إن کان أميرالمؤمنين قد قبل ورضي بحکم القرآن، فقد رضيت بما رضي أميرالمؤمنين.

فأقبل الناس يقولون: قد رضي أميرالمؤمنين، قد قبل أميرالمؤمنين، وهو ساکت، لا يبِضّ بکلمة، مطرق إلي الأرض.[3] .



صفحه 194، 195، 196.





  1. النِّيب: جمع ناب: وهي الناقة المسنّة، سمّوها بذلک حين طال نابها وعظم. والجلّالة: الّتي تَتَبّعُ النجاسات (تاج العروس: 458:2 وج 114:14).
  2. تاريخ الطبري: 49:5، الکامل في التاريخ: 386:2 نحوه؛ وقعة صفّين: 490 وراجع الأخبار الطوال: 190 والفتوح: 186:3.
  3. وقعة صفّين: 492؛ الفتوح: 187:3 نحوه.