الامام في حصار أصحاب الجباه السُّود











الامام في حصار أصحاب الجباه السُّود



2577- وقعة صفّين عن صعصعة: دعا معاوية عبدَ اللَّه بن عمرو بن العاص، وأمره أن يُکلّم أهل العراق، فأقبل حتي إذا کان بين الصفّين نادي: يا أهل العراق! أنا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، إنّها قد کانت بيننا وبينکم اُمور للدين والدنيا، فإن تکن للدين فقد واللَّه أعذرنا وأعذرتم، وإن تکن للدنيا فقد واللَّه أسرفنا وأسرفتم.

وقد دعوناکم إلي أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناکم؛ فإن يجمعنا وإيّاکم الرضي

[صفحه 191]

فذلک من اللَّه، فاغتنموا هذه الفرجة لعلّه أن يعيش فيها المحترف، ويُنسي فيها القتيل؛ فإنّ بقاء المُهلِک بعد الهالک قليل.

فخرج سعيد بن قيس فقال: يا أهل الشام! إنّه قد کان بيننا وبينکم اُمور حامينا فيها علي الدين والدنيا، سمّيتموها غدراً وسرفاً.

وقد دعوتمونا اليوم إلي ما قاتلناکم عليه بالأمسِ، ولم يکن ليرجع أهل العراق إلي عراقهم،ولا أهل الشام إلي شامهم بأمر أجمل من أن يُحکم بما أنزل اللَّه، فالأمر في أيدينا دونکم، وإلّا فنحن نحن، وأنتم أنتم.

وقام الناس إلي عليّ فقالوا: أجِب القوم إلي ما دعوک إليه؛ فإنّا قد فُنينا... أکلتنا الحرب وقُتلت الرجال.

وقال قوم: نُقاتل القوم علي ما قاتلناهم عليه أمسِ. ولم يقل هذا إلّا قليل من الناس، ثمّ رجعوا عن قولهم مع الجماعة، وثارت الجماعة بالموادعة.

فقام عليّ أميرالمؤمنين فقال: إنّه لم يزل أمري معکم علي ما اُحبّ إلي أن أخذت منکم الحرب، وقد واللَّه أخذتْ منکم وترکت، وأخذتْ من عدوّکم فلم تترک، وإنّها فيهم أنکي[1] وأنهک.

ألا إنّي کنت أمسِ أميرالمؤمنين، فأصبحت اليوم مأموراً، وکنت ناهياً فأصبحت منهيّاً، وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملکم علي ما تکرهون.[2] .

2578- مروج الذهب- بعد ذکر رفع المصاحف-: فلمّا رأي کثير من أهل العراق ذلک، قالوا: نُجيب إلي کتاب اللَّه ونُنيب إليه، وأحبّ القوم الموادعة وقيل لعليّ:

[صفحه 192]

قد أعطاک معاوية الحقّ، ودعاک إلي کتاب اللَّه، فاقبلْ منه، وکان أشدّهم في ذلک اليوم الأشعث بن قيس، فقال عليّ:

أيّها الناس! إنّه لم يزل من أمرکم ما اُحبّ حتي قرحتکم الحرب، وقد واللَّه أخذتْ منکم وترکتْ، وإنّي کنت بالأمس أميراً، فأصبحت اليوم مأموراً، وقد أحببتم البقاء.[3] .

2579- الإمام عليّ عليه السلام- من کلام له لمّا اضطرب عليه أصحابه في أمر الحکومة-: أيُّها الناس! إنّه لم يزل أمري معکم علي ما اُحبّ، حتي نهکتکم الحرب، وقد واللَّه أخذت منکم وترکت، وهي لعدوّکم أنهکُ، لقد کنت أمسِ أميراً، فأصبحت اليوم مأموراً، وکنت أمسِ ناهياً، فأصبحت اليوم منهيّاً، وقد أحببتم البقاء، وليس لي أن أحملکم علي ما تکرهون![4] .

2580- وقعة صفّين عن عمر بن سعد: لمّا رفع أهل الشام المصاحف علي الرماح يدعون إلي حکم القرآن قال عليّ عليه السلام:

عبادَ اللَّه! إنّي أحقّ من أجاب إلي کتاب اللَّه، ولکن معاوية، وعمرو بن العاص، وابن أبي مُعَيط، وحبيب بن مسلمة، وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إنّي أعرَفُ بهم منکم، صحبتُهم أطفالاً، وصحبتهم رجالاً، فکانوا شرّ أطفال، وشرّ رجال.

إنّها کلمة حقّ يراد بها باطل، إنّهم واللَّه ما رفعوها أنّهم يعرفونها ويعملون بها،

[صفحه 193]

ولکنّها الخديعة والوهن والمکيدة.

أعيروني سواعدکم وجماجمکم ساعة واحدة، فقد بلغ الحقّ مقطعه، ولم يبق إلّا أن يُقطع دابر الذين ظلموا.

فجاءه زهاء عشرين ألفاً مقنّعين في الحديد شاکي السلاح، سيوفهم علي عواتقهم، وقد اسودّت جباههم من السجود!! يتقدّمهم مسعر بن فدکي، وزيد بن حصين، وعصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج من بعدُ، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا عليّ! أجِب القوم إلي کتاب اللَّه إذ دُعيت إليه، وإلّا قتلناک کما قتلنا ابن عفّان، فواللَّه لنفعلنّها إن لم تُجبْهم.

فقال لهم: ويحکم! أنا أوّل من دعا إلي کتاب اللَّه، وأوّل من أجاب إليه، وليس يحلّ لي ولا يسعني في ديني أن اُدعي إلي کتاب اللَّه فلا أقبله، إنّي إنّما اُقاتلهم ليدينوا بحکم القرآن؛ فإنّهم قد عصوا اللَّه فيما أمرهم، ونقضوا عهده، ونبذوا کتابه، ولکنّي قد أعلمتکم أنّهم قد کادوکم، وأنّهم ليسوا العملَ بالقرآن يُريدون.

قالوا: فابعث إلي الأشتر ليأتيک. وقد کان الأشتر صبيحة ليلة الهرير قد أشرف علي عسکر معاوية ليدخله.[5] .



صفحه 191، 192، 193.





  1. يُقال: نکيتُ في العدو: إذا أکثرتَ فيهم الجراح والقتل، فوهنوا لذلک (النهاية: 117:5).
  2. وقعة صفّين: 483؛ الإمامة والسياسة: 136:1 نحوه، شرح نهج البلاغة: 220:2.
  3. مروج الذهب: 400:2.
  4. نهج البلاغة: الخطبة 208، وقعة صفّين: 484، بحارالأنوار: 556:306:33؛ المعيار والموازنة: 175، الإمامة والسياسة: 138:1.
  5. وقعة صفّين: 489، المناقب لابن شهر آشوب: 183:3 وفيه إلي «صحبتم رجالاً»، بحارالأنوار: 449:532:32؛ شرح نهج البلاغة: 216:2 وراجع مروج الذهب: 401:2 وتاريخ الطبري: 48:5 والکامل في التاريخ: 386:2 والبداية والنهاية: 273:7.