رفع المصاحف











رفع المصاحف



2572- تاريخ الطبري عن أبي مخنف: لمّا رأي عمرو بن العاص أنّ أمر أهل العراق قد اشتدّ، وخاف في ذلک الهلاک، قال لمعاوية: هل لک في أمر أعرضه عليک لا يزيدنا إلّا اجتماعاً، ولا يزيدهم إلّا فرقة؟ قال: نعم.

قال: نرفع المصاحف ثمّ نقول: ما فيها حَکَم بيننا وبينکم، فإن أبي بعضهم أن يقبلها وجدت فيهم من يقول: بلي ينبغي أن نقبل، فتکون فرقة تقع بينهم، وإن قالوا: بلي نقبل ما فيها، رفعنا هذا القتال عنّا وهذه الحرب إلي أجَل أو إلي حين. فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا: هذا کتاب اللَّه عزّ وجلّ بيننا وبينکم، مَنْ لثغور أهل الشام بعد أهل الشام؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق!

فلمّا رأي الناس المصاحف قد رُفعت، قالوا: نُجيب إلي کتاب اللَّه عزّ وجلّ ونُنيب إليه.[1] .

[صفحه 187]

2573- تاريخ اليعقوبي: زحف أصحاب عليّ وظهروا علي أصحاب معاوية ظهوراً شديداً، حتي لصقوا به، فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه.

فقال له عمرو بن العاص: إلي أين؟

قال: قد نزل ما تري، فما عندک؟

قال: لم يبقَ إلّا حيلة واحدة؛ أن تَرفع المصاحف، فتدعوهم إلي ما فيها، فتستکفّهم، وتکسر من حدّهم، وتفتّ في أعضادهم.

قال معاوية: فشأنک! فرفعوا المصاحف، ودعوهم إلي التحکّم بما فيها، وقالوا: ندعوکم إلي کتاب اللَّه.

فقال عليّ: إنّها مکيدة، وليسوا بأصحاب قرآن.

فاعترض الأشعث بن قيس الکندي- وقد کان معاوية استماله، وکتب إليه ودعاه إلي نفسه- فقال: قد دعا القوم إلي الحقّ!

فقال عليّ عليه السلام: إنّهم إنّما کادوکم، وأرادوا صرفکم عنهم.

فقال الأشعث: واللَّه، لئن لم تُجبهم انصرفت عنک.

ومالت اليمانيّة مع الأشعث، فقال الأشعث: واللَّه، لتجيبنّهم إلي ما دعوا إليه، أو لندفعنّک إليهم برمّتک.[2] .

2574- مروج الذهب- في ذکر ما جري يوم الهرير-: وکان الأشتر في هذا اليوم- وهو يوم الجمعة- علي ميمنة عليّ، وقد أشرف علي الفتح، ونادت مشيخة أهل

[صفحه 188]

الشام: يا معشر العرب! اللَّهَ اللَّهَ في الحرمات والنساء والبنات.

وقال معاوية: هلمّ مخبّآتک يابن العاص ؛ فقد هلکنا، وتذکّر ولاية مصر، فقال عمرو: أيّها الناس! من کان معه مصحف فليرفعه علي رمحه.

فکثر في الجيش رفع المصاحف، وارتفعت الضجّة، ونادَوا: کتاب اللَّه بيننا وبينکم؛ من لثغور الشام بعد أهل الشام؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق؟ ومن لجهاد الروم؟ ومن للترک؟ ومن للکفّار؟

ورُفع في عسکر معاوية نحو من خمسمائة مصحف.

وفي ذلک يقول النجاشي بن الحارث:


فاصبح أهل الشام قد رفعوا القنا
عليها کتاب اللَّه خيرُ قُرانِ


ونادَوا عليّاً يا ابن عمّ محمّدٍ
أما تتّقي أن يهلک الثقلانِ


فلمّا رأي کثير من أهل العراق ذلک قالوا: نُجيب إلي کتاب اللَّه ونُنيب إليه، وأحبّ القوم الموادعة، وقيل لعليّ: قد أعطاک معاوية الحقّ، ودعاک إلي کتاب اللَّه فاقبلْ منه، وکان أشدّهم في ذلک اليوم الأشعث بن قيس.[3] .

2575- وقعة صفّين عن تميم بن حذيم: لمّا أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا، فإذا أشباه الرايات أمام صفّ أهل الشام وسط الفيلق من حيال موقف معاوية، فلمّا أسفرنا إذا هي المصاحف قد رُبطت علي أطراف الرماح، وهي عظام مصاحف العسکر، وقد شدّوا ثلاثة أرماح جميعاً وقد ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسکه عشرة رهط.

وقال أبوجعفر وأبوالطفيل: استقبَلوا عليّاً بمائة مصحف، ووضعوا في کلّ

[صفحه 189]

مُجنَّبة[4] مائتي مصحف، وکان جميعها خمسمائة مصحف.

قال أبوجعفر: ثمّ قام الطفيل بن أدهم حيال عليّ عليه السلام، وقام أبوشريح الجذامي حِيال الميمنة، وقام ورقاء بن المُعمّر حِيال الميسرة، ثمّ نادوا: يا معشر العرب! اللَّهَ اللَّهَ في نسائکم وبناتکم، فمَن للروم والأتراک وأهل فارس غداً إذا فنيتم، اللَّهَ اللَّهَ في دينکم، هذا کتاب اللَّه بيننا وبينکم.

فقال عليّ: اللهمّ إنّک تعلم أنّهم ما الکتابَ يريدون، فاحکم بيننا وبينهم، إنّک أنت الحَکَم الحقّ المبين.

فاختلف أصحاب عليّ في الرأي، فطائفة قالت: القتال،وطائفة قالت: المحاکمة إلي الکتاب، ولا يحلّ لنا الحرب وقد دُعينا إلي حکم الکتاب.[5] .

2576- وقعة صفّين عن صعصعة: أقبل عديّ بن حاتم فقال: يا أميرالمؤمنين! إنّ کان أهل الباطل لا يقومون بأهل الحقّ؛ فإنّه لم يُصَب عصبة منّا إلّا وقد اُصيب مثلها منهم، وکلٌّ مقروح، ولکنّا أمثل بقيّة منهم، وقد جزع القوم، وليس بعد الجزع إلّا ما تحبّ، فناجِز القوم.

فقام الأشتر النخعي فقال: يا أميرالمؤمنين! إنّ معاوية لا خلف له من رجاله، ولک بحمد اللَّه الخلف، ولو کان له مثل رجالک لم يکن له مثل صبرک ولا بصرک، فاقرع الحديد بالحديد، واستعن باللَّه الحميد.

ثمّ قام عمرو بن الحمق فقال: يا أميرالمؤمنين! إنّا واللَّه ما أجبناک، ولا

[صفحه 190]

نصرناک عصبيّة علي الباطل ولا أجبنا إلّا اللَّه عزّ وجلّ، ولا طلبنا إلّا الحقّ، ولو دعانا غيرک إلي مادعوت إليه لاستشري فيه اللجاج، وطالت فيه النجوي؛ وقد بلغ الحقّ مقطعه، وليس لنا معک رأي.

فقام الأشعث بن قيس مغضباً فقال: يا أميرالمؤمنين! إنّا لک اليوم علي ما کنّا عليه أمس، وليس آخر أمرنا کأوّله، وما من القوم أحد أحني علي أهل العراق ولا أوتر لأهل الشام منّي؛ فأجب القوم إلي کتاب اللَّه؛ فإنّک أحقّ به منهم، وقد أحبّ الناس البقاء، وکرهوا القتال.

فقال عليّ عليه السلام: إنّ هذا أمر يُنظر فيه.

وذکروا أنّ أهل الشام جزعوا فقالوا: يا معاوية! ما نري أهل العراق أجابوا إلي ما دعوناهم إليه، فأعِدها جذعة؛ فإنّک قد غمرت بدعائک القوم، وأطمعتهم فيک.[6] .



صفحه 187، 188، 189، 190.





  1. تاريخ الطبري: 48:5، الکامل في التاريخ: 386:2، الإمامة والسياسة: 135:1، البداية والنهاية: 273:7 کلاهما نحوه.
  2. تاريخ اليعقوبي: 188:2 وراجع أنساب الأشراف: 98:3 والعقد الفريد: 340:3 والفتوح: 180:3.
  3. مروج الذهب: 400:2 وراجع الفتوح: 181:3.
  4. مُجنَّبة الجيش: هي التي تکون في الميمنة والميسرة (النهاية: 303:1).
  5. وقعة صفّين: 478، بحارالأنوار: 529:32 و446:530 و 447؛ شرح نهج البلاغة: 211:2، ينابيع المودّة: 12:2 وراجع الأخبار الطوال: 188 تا 190.
  6. وقعة صفّين: 482؛ الإمامة والسياسة: 144:1 وفيه إلي «أحبّ الناس البقاء»، المعيار والموازنة: 173 کلاهما نحوه وراجع مروج الذهب: 401:2 والأخبار الطوال: 190.