مكر الليل











مکر الليل



2569- وقعة صفّين عن عمّار بن ربيعة: إنّ عليّاً قام خطيباً، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: أيّها الناس! قد بلغ بکم الأمر وبعدوّکم ما قد رأيتم، ولم يبقَ منهم إلّا آخر نفَس، وإنّ الاُمور إذا أقبلت اعتُبر آخرها بأوّلها، وقد صبر لکم القوم علي غير دين حتي بلغنا منهم ما بلغنا، وأنا غادٍ عليهم بالغداة اُحاکمهم إلي اللَّه عزّ وجلّ.

فبلغ ذلک معاوية، فدعا عمرو بن العاص، فقال: يا عمرو! إنّما هي الليلة حتي يغدو عليّ علينا بالفيصل، فما تري؟

قال: إنّ رجالک لا يقومون لرجاله، ولستَ مثله، هو يقاتلک علي أمر، وأنت تقاتله علي غيره. أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء، وأهل العراق يخافون منک إن

[صفحه 184]

ظفرت بهم، وأهل الشام لا يخافون عليّاً إن ظفر بهم.

ولکن ألقِ إليهم أمراً إن قبلوه اختلفوا، وإن ردّوه اختلفوا؛ ادعُهم إلي کتاب اللَّه حَکَماً فيما بينک وبينهم؛ فإنّک بالغ به حاجتک في القوم؛ فإنّي لم أزَل اُؤخّر هذا الأمر لوقت حاجتک إليه.

فعرف ذلک معاوية، فقال: صدقت.[1] .

2570- وقعة صفّين عن صعصعة: قام الأشعث بن قيس الکندي ليلة الهرير في أصحابه من کندة فقال: الحمد للَّه، أحمده، وأستعينه، واُؤمن به، وأتوکّل عليه، وأستنصره، وأستغفره، وأستخيره، وأستهديه... قد رأيتم- يا معشر المسلمين- ما قد کان في يومکم هذا الماضي، وما قد فني فيه من العرب، فواللَّه لقد بلغتُ من السنّ ما شاء اللَّه أن أبلغ، فما رأيت مثل هذا اليوم قطّ.

ألا فليبلّغ الشاهد الغائب، إنّا إن نحن تواقفنا غداً إنّه لَفناءُ العرب، وضَيعةُ الحرمات، أما واللَّه ما أقول هذه المقالة جزعاً من الحتف، ولکنّي رجل مسنّ أخاف علي النساء والذراري غداً إذا فنينا.

اللهمّ! إنّک تعلم أنّي قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آلُ، وما توفيقي إلّا باللَّه، عليه توکّلت وإليه اُنيب، والرأي يخطئ ويصيب، وإذا قضي اللَّه أمراً أمضاه علي ما أحبّ العباد أو کرهوا، أقول قولي هذا، وأستغفر اللَّه العظيم لي ولکم.

قال صعصعة: فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث فقال: أصاب وربّ الکعبة! لئن نحن التقينا غداً لتميلنّ الروم علي ذرارينا ونسائنا، ولتميلنّ أهل فارس علي نساء أهل العراق وذراريهم، وإنّما يبصر هذا ذوو الأحلام والنهي.

[صفحه 185]

اربطوا المصاحف علي أطراف القنا.

قال صعصعة: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق! مَن لذرارينا إن قتلتمونا، ومن لذراريکم إن قتلناکم؟ اللَّهَ اللَّهَ في البقيّة.[2] .



صفحه 184، 185.





  1. وقعة صفّين: 476؛ الإمامة والسياسة: 143:1، الأخبار الطوال: 188 کلاهما نحوه.
  2. وقعة صفّين: 480؛ شرح نهج البلاغة: 214:2.