ليلة الهرير











ليلة الهرير



2561- مروج الذهب: کانت ليلة الجمعة- وهي ليلة الهرير- فکان جملة من قتل عليٌّ بکفّه في يومه وليلته خمسمائة وثلاثة وعشرين رجلاً أکثرهم في اليوم، وذلک أنّه کان إذا قتل رجلاً کبّر إذا ضرب، ولم يکن يضرب إلّا قَتل. کر ذلک عنه من کان يليه في حربه ولا يفارقه من ولده وغيرهم.[1] .

2562- الفتوح: قامت الفرسان في الرکب، فاصطفقوا بالسيوف، وارتفع الرَّهْج

[صفحه 177]

وثار القَتام،[2] وتضعضعت الرايات، وحُطّت الألوية، وغابت الشمس، وذهبت مواقيت الصلاة، حتي ماکان في الفريقين أحد يُصلّي ذلک اليوم ولا سجد للَّه سجدة، ولا کانت الصلاة إلّا بالتکبير والإيماء نحو القبلة.

قال: وهجم عليهم الليل، واشتدّت الحرب، وهذه ليلة الهرير، فجعل بعضهم يهرّ علي بعض، ويعتنق بعضهم بعضاً، ويکرم بعضهم بعضاً.[3] .

قال: وجعل عليّ رضي الله عنه يقف ساعة بعد ساعة، ويرفع رأسه إلي السماء وهو يقول: «اللهمّ إليک نُقِلت الأقدام، وإليک أفضت القلوب، ورُفعت الأيدي، ومُدّت الأعناق، وطُلبت الحوائج، وشخصت الأبصار. اللهمّ «افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَتِحِينَ» ثمّ إنّه حمل في سواد الليل، وحملت الناس معه، فکلّما قتل بيده رجلاً من أهل الشام کبّر تکبيرة حتي اُحصي له کذا کذا تکبيرة.

قال أبومحمّد (ابن أعثم): اُحصي له خمسمائة تکبيرة وثلاث وعشرون تکبيرة، في کلّ تکبيرة له قتيل.

قال: وکان إذا علا قَدَّ، وإذا وسط قَطّ.[4] [5] .

2563- تاريخ الطبري عن أبي مخنف: فاقتتل الناس تلک الليلة کلّها حتي الصباح؛ وهي ليلة الهرير، حتي تقصّفت الرماح، ونفد النبل، وصار الناس إلي السيوف.

[صفحه 178]

وأخذ عليّ يسير فيما بين الميمنة والميسرة، ويأمر کلّ کتيبة من القرّاء أن تقدم علي التي تليها، فلم يزل يفعل ذلک بالناس، ويقوم بهم حتي أصبح والمعرکة کلّها خلف ظهره، والأشتر في ميمنة الناس، وابن عبّاس في الميسرة، وعليّ في القلب، والناس يقتتلون من کلّ جانب، وذلک يوم الجمعة، وأخذ الأشتر يزحف بالميمنة ويقاتل فيها، وکان قد تولّاها عشيّة الخميس وليلة الجمعة إلي ارتفاع الضحي، وأخذ يقول لأصحابه: ازحفوا قِيْدَ[6] هذا الرمح، وهو يزحف بهم نحو أهل الشام، فإذا فعلوا قال: ازحفوا قادَ هذا القوس، فإذا فعلوا سألهم مثل ذلک، حتي ملّ أکثر الناس الإقدام.

فلمّا رأي ذلک الأشتر قال: اُعيذکم باللَّه أن ترضعوا الغنم سائر اليوم، ثمّ دعا بفرسه، وترک رايته مع حيّان بن هوذة النخعي، وخرج يسير في الکتائب ويقول: من يشتري نفسه من اللَّه عزّ وجلّ ويقاتل مع الأشتر حتي يظهر أو يلحق باللَّه! فلا يزال رجل من الناس قد خرج إليه، وحيّان بن هوذة.[7] .

2564- وقعة صفّين عن زياد بن النضر الحارثي: شهدت مع عليّ بصفّين، فاقتتلنا ثلاثة أيّام وثلاث ليالٍ، حتي تکسّرت الرماح، ونفدت السهام، ثمّ صرنا إلي المسايفة؛ فاجتلدنا بها إلي نصف الليل، حتي صرنا نحن وأهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضنا بعضاً.

وقد قاتلتُ لَيْلَتَئِذٍ بجميع السلاح؛ فلم يبقَ شي ء من السلاح إلّا قاتلت به، حتي تحاثينا بالتراب، وتکادمنا بالأفواه، حتي صرنا قياماً ينظر بعضنا إلي

[صفحه 179]

بعض، ما يستطيع واحد من الفريقين ينهض إلي صاحبه ولا يقاتل.

فلمّا کان نصف الليل من الليلة الثالثة انحاز معاوية وخيله من الصفّ، وغلب عليّ عليه السلام علي القتلي في تلک الليلة، وأقبل علي أصحاب محمّد صلي الله عليه و آله وأصحابه فدفنهم، وقد قُتل کثير منهم، وقُتل من أصحاب معاوية أکثر.[8] .

2565- الصراط المستقيم عن عمرو بن العاص- يوم الهرير-: للَّه دَرّ ابن أبي طالب! ما کان أکثره عند الحروب! ما آنستُ أن أسمع صوته في أوّل الناس إلّا وسمعته في آخرهم، ولا في الميمنة إلّا وسمعته في الميسرة.[9] .



صفحه 177، 178، 179.





  1. مروج الذهب: 3992 وراجع وقعة صفّين: 477 والبداية والنهاية: 264:7 والمعيار والموازنة: 150.
  2. الرَّهْج والقَتام: الغُبار (لسان العرب: 284:2 وج 461:13).
  3. کذا في المصدر، ولعلّه مصحّف عن «يکزم». يقال: کزَم الشي ء الصُّلب؛ إذا عضّه عضّاً شديداً (لسان العرب: 518:12).
  4. قَدَّ: قطع طولاً وقَطَّ: قطع عرضاً (النهاية: 21:4).
  5. الفتوح: 180:3 وراجع شرح نهج البلاغة: 213:2 ووقعة صفّين: 479 ونهج البلاغة: الکتاب 15.
  6. قِيْدَ وقادَ: أي قَدْرَ، يقال بيني وبينهُ قِيْدُ رُمح، وقادُ رمح: أي قَدْر رمحٍ (النهاية: 131:4).
  7. تاريخ الطبري: 47:5، الکامل في التاريخ: 385:2 نحوه وراجع البداية والنهاية: 272:7 ووقعة صفّين: 475.
  8. وقعة صفّين: 369؛ شرح نهج البلاغة: 45:8.
  9. الصراط المستقيم: 4:2.