وقعة الخميس











وقعة الخميس



کان يوم الخميس أشدّ أيّام الحرب في صفّين وأکثرها فزعاً؛ فقد کان الإمام عليه السلام يقاتل قتالاً شديداً في خضمّ تلک المعرکة مضافاً إلي قيادته للجيش.

وکان يُهيج الجيش للقتال بما صنعه من ملاحم عظيمة ومثيرة تشجّع علي خوض الحرب. ولم يهدأالقتال يومئذٍ لحظةً واحدةً، حتي صلّي الجند وهم يقاتلون.

وکثر القتلي حتي صاروا کالتلّ، وجُرح مالا يُحصي من الجيش، وقتل الإمام عليه السلام آنذاک في يوم واحد[1] من مُنازِلي الأقران، ومن شجعان العرب. وکان کلّما قتل يکبّر، ومن تکبيرات الإمام عليه السلام کانوا يعرفون عدد من يُصرع من العدوّ.

[صفحه 174]

وقد سُمّي ذلک اليوم «وقعة الخميس» أو «يوم الهَرِيْر».[2] .

2556- تاريخ الطبري عن زيد بن وهب: ازدلف الناس يوم الأربعاء، فاقتتلوا کأشدّ القتال يومهم حتي الليل، لا ينصرف بعضهم عن بعض إلّا للصلاة.

وکثرت القتلي بينهم، وتحاجزوا عند الليل، وکلٌّ غير غالب، فأصبحوا من الغد، فصلّي بهم عليّ غداة الخميس، فغلّس[3] بالصلاة أشدّ التغليس.[4] .

2557- وقعة صفّين عن جندب الأزدي: لمّا کان غداة الخميس لسبع خلونَ من صفر من سنة سبع وثلاثين، صلّي عليٌّ، فغلّس بالغداة، ما رأيت عليّاً غلّس بالغداة أشدّ من تغليسه يومئذٍ.

ثمّ خرج بالناس إلي أهل الشام فزحف إليهم، وکان هو يبدؤهم فيسير إليهم، فإذا رأوه وقد زحف استقبلوه بزحوفهم.[5] .

2558- الفتوح- في ذکر وقعة الخميس-: دعا عليّ رضي الله عنه بدرع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فلبسه، وبسيف رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فتقلّده، وبعمامة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فاعتجر بها، ثمّ دعا بفرس رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فاستوي عليه وجعل يقول:

[صفحه 175]

أيّها الناس! من يبِع نفسه يربح هذا اليوم؛ فإنّه يوم له ما بعده من الأيّام، أما واللَّه! أن لولا أن تعطّل الحدود، وتبطل الحقوق، ويظهر الظالمون، وتفوز کلمة الشيطان، ما اخترنا ورود المنايا علي خفض العيش وطيبه.

ألا إنّ خضاب النساء الحنّاء، وخضاب الرجال الدماء، والصبر خير عواقب الاُمور.

ألا إنّها إحَن بدريّة، وضغائن اُحديّة، وأحقاد جاهليّة، وثبَ بها معاوية حين الغفلة ليذکر بها ثارات بني عبد شمس: «فَقَتِلُواْ أَلِمَّةَ الْکُفْرِ إِنَّهُمْ لآَ أَيْمَنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ».[6] [7] .

2559- وقعة صفّين عن القعقاع بن الأبرد الطهوي: واللَّه، إنّي لواقف قريباً من عليّ بصفّين يوم وقعة الخميس، وقد التقت مذحج- وکانوا في ميمنة عليّ- وعکّ وجذام ولخم والأشعريّون، وکانوا مستبصرين في قتال عليّ.

ولقد- واللَّه- رأيت ذلک اليوم من قتالهم، وسمعت من وقع السيوف علي الرؤوس، وخبط الخيول بحوافرها في الأرض وفي القتلي- ما الجبالُ تَهِدّ، ولا الصواعقُ تَصْعَق بأعظم هولاً في الصدور من ذلک الصوت.

نظرت إلي عليّ وهو قائم فدنوت منه، فسمعته يقول: «لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه، والمستعان اللَّه».

ثمّ نهض حين قام قائم الظهيرة، وهو يقول: «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَتِحِينَ».[8] .

[صفحه 176]

وحمل علي الناس بنفسه، وسيفه مجرّد بيده، فلا واللَّه ما حجز بيننا إلّا اللَّه ربّ العالمين، في قريب من ثلث الليل، وقُتلتْ يومئذٍ أعلام العرب، وکان في رأس عليّ ثلاث ضربات، وفي وجهه ضربتان.

نصر: وقد قيل: إنّ عليّاً لم يجرح قطّ.

وقُتل في هذا اليوم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقُتل من أهل الشام عبد اللَّه بن ذي الکلاع الحميري.[9] .

2560- الأخبار الطوال: حمل عليٌّ بنفسه علي أهل الشام حتي غاب فيهم، فانصرف مخضّباً بالدماء، فلم يزالوا کذلک يومهم کلّه والليل حتي مضي ثلثه، وجرح عليّ خمس جراحات، ثلاث في رأسه، واثنتان في وجهه.[10] .



صفحه 174، 175، 176.





  1. .
  2. قال المجلسي- في بيان وجه تسمية ليلة الهرير-: إنّما سمّيت الليلة بليلة الهرير لکثرة أصوات الناس فيها للقتال، وقيل: لاضطرار معاوية وفزعه عند شدّة الحرب واستيلاء أهل العراق کالکلب؛ فإنّ الهرير أنين الکلب عند شدّة البرد (مرآة العقول: 427:15).
  3. من الغَلَس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح (النهاية: 377:3).
  4. تاريخ الطبري: 15:5.
  5. وقعة صفّين: 232؛ تاريخ الطبري: 14:5 وفيه «بوجوههم» بدل «بزحوفهم»، الکامل في التاريخ: 372:2 وفيه «فلمّا کان يوم الخميس، صلّي عليّ عليه السلام بغلس، وخرج بالناس إلي أهل الشام، فزحف إليهم وزحفوا معه».
  6. التوبة: 12.
  7. الفتوح: 174:3؛ المناقب لابن شهر آشوب: 180:3 وفيه من «ألا إنّ خضاب...».
  8. الأعراف: 89.
  9. وقعة صفّين: 363؛ شرح نهج البلاغة: 41:8 وراجع الأخبار الطوال: 184.
  10. الأخبار الطوال: 184 وراجع جواهر المطالب: 64:2.