توبة عثمان في خطاب عامّ











توبة عثمان في خطاب عامّ



1212- تاريخ الطبري عن عليّ بن عمر عن أبيه: إنّ عليّاً جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له: تکلّم کلاماً يسمعه الناس منک ويشهدون عليه، ويشهد اللَّه علي ما في قلبک من النزوع والإنابة؛ فإنّ البلاد قد تمخّضت عليک، فلا آمن رکباً آخرين يقدمون من الکوفة، فتقول: يا عليّ ارکب إليهم، ولا أقدر أن أرکب إليهم ولا أسمع عذراً، ويقدم رکب آخرون من البصرة، فتقول: يا عليّ ارکب إليهم، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمک، واستخففت بحقّک.

قال: فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها، وأعطي الناس من نفسه التوبة،فقام فحمد اللَّه وأثني عليه بما هو أهله، ثمّ قال:

أمّا بعد أيّها الناس! فواللَّه ما عاب من عاب منکم شيئاً أجهله، وما جئت شيئاً إلّا وأنا أعرفه، ولکنّي منّتني نفسي وکذّبتني وضلّ عنّي رشدي، ولقد سمعت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يقول: «من زلّ فليتُب، ومن أخطأ فليتُب ولا يتمادّ في الهلکة؛ إنّ من تمادي في الجور کان أبعد من الطريق» فأنا أوّل من اتّعظ، أستغفر اللَّه ممّا فعلت وأتوب إليه، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافکم فليروني رأيهم، فواللَّه لئن ردّني الحقّ عبداً لأستنّ بسنّة العبد، ولأذلّن ذلّ العبد، ولأکونّن

[صفحه 229]

کالمرقوق، إن مُلک صبر وإن عُتق شکر، وما عن اللَّه مذهب إلّا إليه، فلا يعجزنّ عنکم خيارکم أن يدنوا إليّ، لئن أبَت يميني لتتابعني شمالي.

قال: فرقّ الناس له يومئذٍ وبکي من بکي منهم، وقام إليه سعيد بن زيد فقال: يا أميرالمؤمنين، ليس بواصل لک من ليس معک، اللَّهَ اللَّهَ في نفسک، فأتمِمْ علي ما قلت[1] .

1213- تاريخ الطبري عن عبّاد بن عبداللَّه بن الزبير: کتب أهل المدينة إلي عثمان يدعونه إلي التوبة، ويحتجّون ويقسمون له باللَّه لا يمسکون عنه أبداً حتي يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حقّ اللَّه.

فلمّا خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته، فقال لهم: قد صنع القوم ما قد رأيتم، فما المخرج؟

فأشاروا عليه أن يرسل إلي عليّ بن أبي طالب فيطلب إليه أن يردّهم عنه، ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولَهم[2] حتي يأتيه أمداد.

فقال: إنّ القوم لن يقبلوا التعليل، وهم محمّليّ عهداً، وقد کان منّي في قدمتهم الاُولي ما کان، فمتي اُعطِهم ذلک يسألوني الوفاء به!

فقال مروان بن الحکم: يا أميرالمؤمنين! مقاربتهم حتي تقوي أمثل من مکاثرتهم علي القرب، فأعطِهم ما سألوک، وطاوِلهم ما طاوَلوک ؛ فإنّما هم بغوا عليک؛ فلا عهد لهم.

[صفحه 230]

فأرسل إلي عليٍّ فدعاه، فلمّا جاءه قال: يا أبا حسن! إنّه قد کان من الناس ما قد رأيت، وکان منّي ما قد علمت، ولست آمنهم علي قتلي، فارددهم عنّي؛ فإنّ لهم اللَّه عزّوجلّ أن أعتبهم من کلّ ما يکرهون، وأن اُعطيهم الحقّ من نفسي ومن غيري، وإن کان في ذلک سفک دمي.

فقال له عليّ: الناس إلي عدلک أحوج منهم إلي قتلک، وإنّي لأري قوماً لا يرضون إلّا بالرضي، وقد کنتَ أعطيتهم في قدمتهم الاُولي عهداً من اللَّه لترجعنّ عن جميع ما نقموا، فرددتُهم عنک، ثمّ لم تفِ لهم بشي ء من ذلک، فلا تغرّني هذه المرّة من شي ء ؛ فإنّي معطيهم عليک الحقّ.

قال: نعم، فأعطِهم، فواللَّه لأفينّ لهم.

فخرج عليّ إلي الناس، فقال: أيّها الناس! إنّکم إنّما طلبتم الحقّ فقد اُعطيتموه، إنّ عثمان قد زعم أنّه منصفکم من نفسه ومن غيره، وراجع عن جميع ما تکرهون، فاقبلوا منه ووکّدوا عليه.

قال الناس: قد قبلنا فاستوثِق منه لنا؛ فإنّا واللَّه لا نرضي بقول دون فعل. فقال لهم عليّ: ذلک لکم. ثمّ دخل عليه فأخبره الخبر.

فقال عثمان: اضرب بيني وبينهم أجلاً يکون لي فيه مهلة؛ فإنّي لا أقدر علي ردّ ما کرهوا في يوم واحد.

قال له عليّ: ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجلُه وصول أمرک.

قال: نعم. ولکن أجّلني فيما بالمدينة ثلاثة أيّام.

قال عليّ: نعم. فخرج إلي الناس فأخبرهم بذلک، وکتب بينهم وبين عثمان

[صفحه 231]

کتاباً أجّله فيه ثلاثاً، علي أن يردّ کلّ مظلمة، ويعزل کلّ عامل کرهوه، ثمّ أخذ عليه في الکتاب أعظم ما أخذ اللَّه علي أحدٍ من خلقه من عهد وميثاق، وأشهد عليه ناساً من وجوه المهاجرين والأنصار، فکفّ المسلمون عنه ورجعوا إلي أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه، فجعل يتأهّب للقتال، ويستعدّ بالسلاح- وقد کان اتّخذ جنداً عظيماً من رقيق الخمس- فلمّا مضت الأيّام الثلاثة وهو علي حاله لم يغيّر شيئاً ممّا کرهوه ولم يعزل عاملاً، ثار به الناس[3] .

1214- الإمامة والسياسة: خرج عثمان فصعد المنبر، فحمد اللَّه وأثني عليه ثمّ قال:

أمّا بعد أيّها الناس، إن نصيحتي کذّبتني، ونفسي منّتني، وقد سمعت رسول اللَّه يقول: لا تتمادوا في الباطل؛ فإنّ الباطل يزداد من اللَّه بُعداً، من أساء فليتُب، ومن أخطأ فليتُب، وأنا أوّل من أتّعظ، واللَّه لئن ردّني الحقّ عبداً لا نتسبنّ نسب العبيد، ولأکوننّ کالمرقوق الذي إن مُلک صبر، وإن اُعتق شکر، ثمّ نزل، فدخل علي زوجته نائلة بنت الفرافصة، ودخل معه مروان بن الحکم، فقال: يا أميرالمؤمنين، أتکلّم أو أسکت؟ فقالت له نائلة: بل اسکت! فواللَّه لئن تکلّمت لتغرّنه ولتوبقنّه. فالتفت إليها عثمان مغضباً، فقال: اسکتي، تکلّم يا مروان. فقال مروان: يا أميرالمؤمنين! واللَّه لو قلت الذي قلت وأنت في عزّ ومنعة لتابعتک، ولکنّک قلت الذي قلت وقد بلغ السيل الزبي، وجاوز الحزام الطبيين، فانقض التوبة ولا تقرّ بالخطيئة[4] .

[صفحه 232]



صفحه 229، 230، 231، 232.





  1. تاريخ الطبري: 360:4، البداية والنهاية: 172:7، الکامل في التاريخ: 284:2؛ الجمل: 191 کلاهما نحوه.
  2. طاولته في الأمر: أي ما طلتُه (لسان العرب: 412:11).
  3. تاريخ الطبري: 369:4، الکامل في التاريخ: 288:2 نحوه.
  4. الإمامة والسياسة: 49:1.