من تخلّف عن بيعة أبي بكر











من تخلّف عن بيعة أبي بکر



942- تاريخ اليعقوبي: تخلّف عن بيعة أبي بکر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع عليّ بن أبي طالب، منهم: العبّاس بن عبد المطّلب، والفضل بن العبّاس، والزبير بن العوّام بن العاص، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذرّ الغفاري، وعمّار بن ياسر، والبراء بن عازب، واُبيّ بن کعب. فأرسل أبو بکر إلي عمر بن الخطّاب، وأبي عبيدة بن الجرّاح، والمغيرة بن شعبة، فقال: ما الرأي؟ قالوا: الرأي أن تلقي العبّاس بن عبد المطّلب، فتجعل له في هذا الأمر نصيباً يکون له ولعقِبِه من بعده، فتقطعون به ناحية عليّ بن أبي طالب حجّة لکم علي عليّ إذا مال معکم.

فانطلق أبو بکر وعمر وأبو عبيدة بن الجرّاح والمغيرة حتي دخلوا علي العبّاس ليلاً، فحمد أبو بکر اللَّهَ وأثني عليه، ثمّ قال:

إنّ اللَّه بعث محمّداً نبيّاً، وللمؤمنين وليّاً، فمنّ عليهم بکونه بين أظهرهم، حتي اختار له ما عنده، فخلّي علي الناس اُموراً ليختاروا لأنفسهم[1] في

[صفحه 27]

مصلحتهم مشفقين، فاختاروني عليهم والياً، ولاُمورهم راعياً، فوُلّيت ذلک، وما أخاف بعون اللَّه وتسديده وهناً ولا حيرة ولا جبناً، وما توفيقي إلّا باللَّه، عليه توکّلت وإليه اُنيب.

وما انفکّ يبلغني عن طاعن يقول الخلاف علي عامّة المسلمين، يتّخذکم لجأً، فتکون حصنه المنيع وخطبه البديع، فإمّا دخلتم مع الناس فيما اجتمعوا عليه، وإمّا صرفتموهم عمّا مالوا إليه، ولقد جئناک ونحن نريد أنّ لک في هذا الأمر نصيباً يکون لک، ويکون لمن بعدک من عقبک إذ کنت عمّ رسول اللَّه، وإن کان الناس قد رأوا مکانک ومکان صاحبک...[2] عنکم، وعلي رِسلِکم بني هاشم، فإنّ رسول اللَّه منّا ومنکم.

فقال عمر بن الخطّاب: إي واللَّه، واُخري؛ أنّا لم نأتکم لحاجة إليکم، ولکن کرهاً أن يکون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منکم، فيتفاقم الخطب بکم وبهم،فانظروا لأنفسکم.

فحمد العبّاس اللَّه وأثني عليه وقال: إنّ اللَّه بعث محمّداً- کما وصفتَ- نبيّاً، وللمؤمنين وليّاً، فمنّ علي اُمّته به، حتي قبضه اللَّه إليه، واختار له ما عنده، فخلّي علي المسلمين اُمورهم ليختاروا لأنفسهم[3] مصيبين الحقّ، لا مائلين بزيغ الهوي، فإن کنت برسول اللَّه فحقّاً أخذت، وإن کنت بالمؤمنين فنحن منهم، فما تقدّمنا في أمرک فرضاً، ولا حللنا وسطاً، ولا برحنا سخطاً، وإن کان هذا الأمر إنّما وجب لک بالمؤمنين، فما وجب إذ کنّا کارهين.

[صفحه 28]

ما أبعد قولک من أنّهم طعنوا عليک من قولک إنّهم اختاروک ومالوا إليک، وما أبعد تسميتک بخليفة رسول اللَّه من قولک خلّي علي الناس اُمورهم ليختاروا فاختاروک، فأمّا ما قلت إنّک تجعله لي، فإن کان حقّاً للمؤمنين فليس لک أن تحکم فيه، وإن کان لنا فلم نرضَ ببعضه دون بعض، وعلي رِسلِک؛ فإنّ رسول اللَّه من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها. فخرجوا من عنده[4] .

943- تاريخ اليعقوبي: کان فيمن تخلّف عن بيعة أبي بکر أبو سفيان بن حرب، وقال: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي هذا الأمر عليکم غيرکم؟ وقال لعليّ بن أبي طالب: اُمدد يدک اُبايعک، وعليّ معه قصيّ، وقال:


بني هاشمٍ لا تُطمعوا الناس فيکمُ
ولاسيّما تيم بن مرّة أو عديّ


فما الأمر إلّا فيکمُ وإليکمُ
وليس لها إلّا أبو حسنٍ عليّ


أبا حسنٍ فاشدُد بها کفّ حازمٍ
فإنّک بالأمر الذي يرتجي مَلِيّ


وإنّ امرأً يرمي قصيٌّ وراءه
عزيز الحِمي، والناس من غالبٍ قَصِيّ


وکان خالد بن سعيد غائباً، فقدم فأتي عليّاً فقال: هلمّ اُبايعک، فواللَّه ما في الناس أحد أولي بمقام محمّد منک[5] .

944- أنساب الأشراف عن صالح بن کيسان: قدم خالد بن سعيد بن العاص من ناحية اليمن بعد وفاة النبيّ صلي الله عليه و آله، فأتي عليّاً وعثمان فقال: أنتما الشعار دون الدثار؛ أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي أمرکم عليکم غيرکم؟... وعن عوانة

[صفحه 29]

وابن جعدبة: لم يبايع خالد بن سعيد أبا بکر إلّا بعد ستّة أشهر[6] .

945- شرح نهج البلاغة- في ذکر قصّة السقيفة-: لمّا رأت الأوس أنّ رئيساً من رؤساء الخزرج قد بايع، قام اُسيد بن حُضَير- وهو رئيس الأوس- فبايع حسداً لسعد أيضاً، ومنافسة له أن يلي الأمر، فبايعت الأوس کلّها لمّا بايع اُسيد، وحُمِل سعد بن عبادة وهو مريض، فاُدخل إلي منزله، فامتنع من البيعه في ذلک اليوم وفيما بعده، وأراد عمر أن يُکرهه عليها، فاُشير عليه ألّا يفعل، وأنّه لا يبايع حتي يُقتل، وأنّه لا يُقتل حتي يُقتل أهله، ولا يُقتل أهله حتي يُقتل الخزرج، وإن حوربت الخزرج کانت الأوس معها، وفسد الأمر. فترکوه، فکان لا يصلّي بصلاتهم ولا يجمع بجماعتهم ولا يقضي بقضائهم، ولو وجد أعواناً لضاربهم.

فلم يزل کذلک حتي مات أبو بکر، ثمّ لَقِيَ عمر في خلافته وهو علي فرس وعمر علي بعير، فقال له عمر: هيهات يا سعد! فقال سعد: هيهات يا عمر! فقال: أنت صاحب من أنت صاحبه؟ قال: نعم، أنا ذاک. ثمّ قال لعمر: واللَّه ما جاورني أحد هو أبغض إليّ جواراً منک! قال عمر: فإنّه من کَرِه جوار رجل انتقل عنه، فقال سعد: إنّي لأرجو أن اُخلِّيها لک عاجلاً إلي جوار من هو أحبّ إليّ جواراً منک ومن أصحابک.فلم يلبث سعد بعد ذلک إلّا قليلاً حتي خرج إلي الشام، فمات بحَوران[7] ولم يبايع لأحد؛ لا لأبي بکر، ولا لعمر، ولا لغيرهما[8] .

946- شرح نهج البلاغة- في ذکر قصّة السقيفة-: ووطئ الناس فراش سعد،

[صفحه 30]

فقيل: قتلتم سعداً، فقال عمر: قتل اللَّه سعداً! فوثب رجل من الأنصار فقال: أنا جُذَيْلها المحکّک وعذَيقها المرجَّب. فأخذ ووطئ في بطنه ودسّوا في فيه التراب[9] .



صفحه 27، 28، 29، 30.





  1. هذا القول هو علي خلاف ما ثبت من الأدلّة العقليّة والنقليّة التي ذکرت في مدخل القسم الثالث.
  2. بياض في الأصل، وفي نسخة: «فعدلوا الأمر».
  3. راجع: الهامش الثاني من الصفحة السابقة.
  4. تاريخ اليعقوبي: 124:2؛ الإمامة والسياسة: 32:1 نحوه وفيه من «الرأي أن تلقي العبّاس...» وراجع شرح نهج البلاغة: 21:2.
  5. تاريخ اليعقوبي: 126 2، الإرشاد: 190:1، الجمل: 117، إعلام الوري: 271:1؛ الأخبار الموفّقيّات: 376:577، العقد الفريد: 271:3 کلّها نحوه.
  6. أنساب الأشراف: 270:2.
  7. حَوْران: کورة واسعة من أعمال دمشق من جهة القبلة، ذات قري کثيرة ومزارع (معجم البلدان: 317:2).
  8. شرح نهج البلاغة: 10:6.
  9. شرح نهج البلاغة: 40:6.