ضرب عمّار بن ياسر











ضرب عمّار بن ياسر



1162- أنساب الأشراف عن أبي مخنف- في إسناده-: کان في بيت المال بالمدينة سَفَط فيه حلي وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّي به بعض أهله، فأظهر

[صفحه 182]

الناسُ الطعن عليه في ذلک وکلَّموه فيه بکلام شديد حتي أغضبوه، فخطب فقال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفي ء وإن رَغِمَت اُنوف أقوام.

فقال له عليّ: إذاً تُمنع من ذلک ويُحال بينک وبينه.

وقال عمّار بن ياسر: اُشهد اللَّه أنّ أنفي أوّل راغم من ذلک.

فقال عثمان: أعَلَيَّ يابن المَتْکاء![1] تجترئ؟ خُذوه، فاُخذ ودخل عثمان فدعا به فضربه حتي غُشي عليه، ثمّ اُخرج فحُمل حتي اُتي به منزل اُمّ سلمة زوج رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فلم، يصلّ الظهر والعصر والمغرب، فلمّا أفاق توضّأ وصلّي وقال: الحمد للَّه، ليس هذا أوّل يوم اُوذينا فيه في اللَّه....

وبلغ عائشة ما صنع بعمّار، فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وثوباً من ثيابه، ونعلاً من نعاله، ثمّ قالت: ما أسرع ما ترکتم سنّة نبيّکم وهذا شعره وثوبه ونعله ولم يَبْلَ بعدُ، فغضب عثمان غضباً شديداً حتي ما دري ما يقول[2] .

1163- تاريخ المدينة عن المغيرة: اجتمع ناس فکتبوا عيوب عثمان وفيهم: ابن مسعود، فاجتمعوا بباب عثمان ليدخلوا عليه فيکلّموه، فلمّا بلغوا الباب نکلوا إلّا عمّار بن ياسر؛ فإنّه دخل عليه فوعظه، فأمر به فضُرب حتي فُتق؛ فکان لا يستمسک بوله.

فقيل لعمّار: ما هذا؟ قال: إنّي مُلَقّي من قريش؛ لقيتُ منهم في الإسلام کذا،

[صفحه 183]

وفعلوا بي کذا، ثمّ دخلت علي هذا- يعني عثمان- فأمرته ونهيته، فصنع ما ترون؛ فلا يستمسک بولي[3] .

1164- أنساب الأشراف: يُقال: إنّ المقداد بن عمرو، وعمّار بن ياسر، وطلحة والزبير، في عدّة من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله کتبوا کتاباً عدّدوا فيه أحداث عثمان، وخوّفوه ربّه، وأعلموه أنّهم مواثبوه إن لم يقلع. فأخذ عمّار الکتاب وأتاه به، فقرأ صدراً منه، فقال له عثمان: أعَلَيَّ تقدمُ من بينهم؟

فقال عمّار: لأنّي أنصحهم لک. فقال: کذبت يابن سميّة.

فقال: أنا واللَّه ابن سميّة وابن ياسر. فأمر غلماناً له فمدّوا بيديه ورجليه، ثمّ ضربه عثمان برجليه وهي في الخُفّين علي مذاکيره، فأصابه الفتق، وکان ضعيفاً کبيراً فغشي عليه[4] .

1165- الاستيعاب: کان اجتماع بني مخزوم إلي عثمان حين نال من عمّار غلمانُ عثمان ما نالوا من الضرب، حتي انفتق له فَتْق في بطنه، ورغموا وکسروا ضلعاً من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: واللَّه لئن مات لا قَتَلْنا به أحداً غير عثمان[5] .

1166- الإمامة والسياسة: اجتمع ناس من أصحاب النبيّ عليه الصلاة والسلام فکتبوا کتاباً ذکروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنّة رسول اللَّه وسنّة صاحبيه، وما

[صفحه 184]

کان من هبته خمس إفريقيّة لمروان وفيه حقّ اللَّه ورسوله، ومنهم ذوو القر

بي واليتامي والمساکين.

وما کان من تطاوله في البنيان، حتي عدّوا سبع دور بناها بالمدينة: داراً لنائلة، وداراً لعائشة وغيرهما من أهله وبناته. وبنيان مروان القصور بذي خشب، وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب للَّه ولرسوله.

وما کان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمّه من بني اُميّة- أحداث وغلمة- لا صحبة لهم من الرسول صلي الله عليه و آله ولا تجربة لهم بالاُمور. و ما کان من الوليد بن عقبة بالکوفة إذ صلّي بهم الصبح وهو أميرعليها سکران أربع رکعات، ثمّ قال لهم: إن شئتم أزيدکم صلاة زدتکم، وتعطيله إقامة الحدّ عليه، وتأخيره ذلک عنه.

وترکه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم علي شي ء ولا يستشيرهم، واستغني برأيه عن رأيهم.

و ما کان من الحمي الذي حمي حول المدينة، وما کان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات علي أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبيّ عليه الصلاة والسلام، ثمّ لا يغزون ولا يذبّون.

و ما کان من مجاوزته الخيزران إلي السوط، وأنّه أوّل من ضرب بالسياط ظهور الناس، وإنّما کان ضرب الخليفتين قبله بالدرة والخيزران. ثمّ تعاهد القوم ليدفعنّ الکتاب في يد عثمان، وکان ممّن حضر الکتاب: عمّار بن ياسر، والمقداد بن الأسود، وکانوا عشرة؛ فلمّا خرجوا بالکتاب ليدفعوه إلي عثمان والکتاب في يد عمّار، جعلوا يتسلّلون عن عمّار حتي بقي وحده، فمضي حتي جاء دار عثمان، فاستأذن عليه، فأذن له في يوم شاتٍ، فدخل عليه وعنده

[صفحه 185]

مروان ابن الحکم وأهله من بني اُميّة، فدفع إليه الکتاب فقرأه، فقال له: أنت کتبت هذا الکتاب ؟ قال: نعم. قال: ومن کان معک؟ قال: کان معي نفرٌ تفرّقوا فَرَقاً[6] منک.

قال: من هم؟ قال: لا اُخبرک بهم.

قال: فَلِمَ اجترأت عليّ من بينهم؟ فقال مروان: يا أميرالمؤمنين! إنّ هذا العبد الأسود- يعني عمّاراً- قد جرّأ عليک الناس، وإنّک إن قتلته نکّلت به مَن وراءه. قال عثمان: اضربوه، فضربوه وضربه عثمان معهم حتي فتقوا بطنه، فغشي عليه، فجرّوه حتي طرحوه علي باب الدار، فأمرت به اُمّ سلمة زوج النبيّ عليه الصلاة والسلام، فاُدخل منزلها.

وغضب فيه بنو المغيرة وکان حليفهم، فلمّا خرج عثمان لصلاة الظهر، عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة، فقال: أما واللَّه لئن مات عمّار من ضربه هذا لأقتلنّ به رجلاً عظيماً من بني اُميّة، فقال عثمان: لست هناک[7] .

1167- الفتوح- في خبر وفاة أبي ذرّ-: بلغ ذلک عثمان، فقال: رحم اللَّه أبا ذرّ! فقال عمّار بن ياسر: فرحم اللَّه أبا ذرّ من کلّ قلوبنا! فغضب عثمان ثمّ قال: يا کذا وکذا أتظنّ أنّي ندمت علي تسييره إلي رَبَذة؟

قال عمّار: لا واللَّه ما أري ذلک!

قال عثمان: ادفعوا في قفاه، وأنت فالحقْ بالمکان الذي کان فيه أبو ذرّ، ولا تبرحه أبداً ما بقيت وأنا حيٌّ.

[صفحه 186]

فقال عمّار: واللَّه إنّ جوار السباع لأحبّ إليّ من جوارک؛ ثمّ قام عمّار فخرج من عنده.

قال: وعزم عثمان علي نفي عمّار، وأقبلت بنو مخزوم إلي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فقالوا: إنّه يا أبا الحسن قد علمت بأنّا أخوال أبيک أبي طالب، وهذا عثمان بن عفّان قد أمر بتسيير عمّار بن ياسر، وقد أحببنا أن نلقاه فنکلّمه في ذلک ونسأله أن يکفّ عنه ولا يؤذينا فيه، فقد وثب عليه مرّة ففعل به ما فعل، وهذه ثانية، ونخاف أن يخرج معه إلي أمر يندم ونندم نحن عليه.

فقال: أفعل ذلک فلا تعجلوا، فواللَّه لو لم تأتوني في هذا لکان ذلک من الحقّ الذي لا يسعني ترکه ولا عذر لي فيه.

قال: ثمّ أقبل عليّ رضي الله عنه حتي دخل علي عثمان فسلّم وجلس فقال: اتّقِ اللَّه أيُّها الرجل، وکفّ عن عمّار وغير عمّار من الصحابة؛ فإنّک قد سيّرت رجلاً من صلحاء المسلمين وخيار المهاجرين الأوّلين، حتي هلک في تسييرک إيّاه غريباً، ثمّ إنّک الآن تريد أن تنفي نظيره من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله!

فقال عثمان: لأنت أحقّ بالمسير منه، فواللَّه ما أفسد عليَّ عمّاراً وغيره سواک! فقال عليّ رضي الله عنه: واللَّه يا عثمان! ما أنت بقادر علي ذلک ولا إليه بواصل، فروّمْ[8] ذلک إن شئت. وأمّا قولک: إنّي اُفسدهم عليک، فواللَّه ما يفسدهم عليک إلّا نفسُک؛ لأنّهم يرون ما ينکرون؛ فلا يسعهم إلّا تغيير ما يرون....

ثمّ أقبل عليّ رضي الله عنه علي عمّار بن ياسر فقال له: اجلس في بيتک ولا تبرح منه، فإنّ اللَّه تبارک وتعالي مانعک من عثمان وغير عثمان، وهؤلاء المسلمون معک.

[صفحه 187]

فقالت بنو مخزوم: واللَّه يا أبا الحسن! لئن نصرتنا وکنت معنا لا وصل إلينا عثمان بشي ء نکرهه أبداً.

وبلغ ذلک عثمان فکفّ عن عمّار وندم علي ما کان منه[9] .



صفحه 182، 183، 184، 185، 186، 187.





  1. امرأة مَتْکاء: بَظْراء. وقيل: المُتکاء من النساء: التي لم تُخفَض؛ ولذلک قيل في السبّ: يا بن المتکاء (لسان العرب: 485:10).
  2. أنساب الأشراف: 161:6، شرح نهج البلاغة: 49:3؛ الشافي: 289:4.
  3. تاريخ المدينة: 1099:3.
  4. أنساب الأشراف: 162:6، شرح نهج البلاغة: 50:3، الفتوح: 372:2، الرياض النضرة: 85:3 کلاهما نحوه؛ الشافي: 290:4.
  5. الاستيعاب 1883:227:3، شرح نهج البلاغة: 102:10 و ج 36:20.
  6. الفَرَق: الخوف والفزع (النهاية: 438:3).
  7. الإمامة والسياسة: 50:1.
  8. من روّمتُ فلاناً: إذا جعلته يطلب الشي ء (لسان العرب: 258:12).
  9. الفتوح: 378:2 وراجع أنساب الأشراف: 169:6 وتاريخ اليعقوبي: 173:2.