تحريف التاريخ في قضية نفي أبي ذر











تحريف التاريخ في قضية نفي أبي ذر



إنّ تحريف الحقائق في النصوص التأريخيّة القديمة أمر يدعو إلي تشويه الواقع وإضلال الناس من جهة، وإلي الأسف العميق من جهة اُخري. حيث إنّ الناظر في طيّات التاريخ ينظر بعين الأسي إلي ما نال النصوص القديمة من التحريف؛ وهو في الحقيقة له أسباب کثيرة، يطول الکلام ببيانها.

ومن أوضح مصاديقه هو تحريف المعلومات المتعلّقة بقضيّة نفي أبي ذرّ. فنري الطبري وابن الأثير قد تناولا ممهِّدات النفي وطبيعته وکيفيّته وملابسات إخراج أبي ذرّ من الشام علي نحو الإشارة. بَيْد أنّهما أحجما عن کشف الحقائق وتصوير الواقع الصادق.

أمّا الطبري فقد ذکر في تأريخه: وفي هذه السنة- أعني سنة ثلاثين- کان ما ذُکر من أمر أبي ذرّ ومعاوية، وإشخاص معاوية إيّاه من الشام إلي المدينة، وقد ذُکر في سبب إشخاصه إيّاه منها إليها اُمور کثيرة، کرهت ذکر أکثرها. فأمّا العاذرون معاوية في ذلک، فإنّهم ذکروا في ذلک قصّة..[1] .

[صفحه 180]

وأمّا ابن الأثير فقال: وفي هذه السنة ]30 ه ] کان ما ذکر في أمر أبي ذرّ، وإشخاص معاوية إيّاه من الشام إلي المدينة، وقد ذُکر في سبب ذلک اُمور کثيرة- من سبّ معاوية إيّاه، وتهديده بالقتل، وحمله إلي المدينة من الشام بغير وطاء، ونفيه من المدينة علي الوجه الشنيع، لا يصحّ النقل به، ولو صحّ لکان ينبغي أن يعتذر عن عثمان؛ فإنَّ للإمام أن يؤدّب رعيّته، وغير ذلک من الأعذار، لا أن يجعل ذلک سبباً للطعن عليه!!- کرهتُ ذکرها.

وأمّا العاذرون فإنّهم قالوا:....[2] .وهکذا يسدلان الستار علي الحقائق. ومن جانب آخر، ينقلان معلومات کاذبة عن أبي ذرّ، فيحاولان المَسَّ بقُدسيّة «أصدق من أقلّته الغبراء». ومن العجب أنّهما يوردان ذلک کلّه عن سيف بن عمر بطل الوضع والاختلاق، ومثال الافتراء، والنموذج الماثل لإشاعة الکذب.

إنّ أحداً لم يُثْنِ علي سيف؛ فقد ضعّفه ابن معين وقال: «فُليس خيرٌ منه». وذهب أبو حاتم إلي أنّه «متروک الحديث». ونصّ النسائي والدارقطني علي ضعفه. وقال أبو داود: «ليس بشي ء». وقال ابن حبّان:«يروي الموضوعات عن الأثبات». اتُّهم بالزندقة، وقالوا: إنّه کان يضع الحديث، وذهب الحاکم أيضاً إلي أنّه متّهم بالزندقة[3] .

وأمّا أخبار سيف بن عمر فجميعها تبيّض صحيفة عثمان وتدافع عنه، فيقول مثلاً في نفي أبي ذرّ من قبل عثمان:

قال [أبو ذرّ لعثمان]: فتأذَنُ لي في الخروج؟ فإنّ المدينة ليست لي بدار.

[صفحه 181]

فقال: أوَ تستبدل بها إلّا شرّاً منها؟! قال: أمرني رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أن أخرج منها إذا بلغ البناء سَلْعاً[4] قال: فانفُذ لما أمرَک به.

قال: فخرج حتي نزل الرَّبَذة فخطّ بها مسجداً، وأقطعه عثمان صِرْمَة[5] من الإبل، وأعطاه مملوکين، وأرسل إليه: أنْ تعاهَدِ المدينة حتي لا ترتدّ أعرابيّاً، ففعل. وقال أيضاً: خرج أبو ذرّ إلي الربذة من قِبَل نفسه، لمّا رأي عثمان لا ينزع[6] له[7] .

ونحن نعلم أنّ بعض الأباطيل حول «عبداللَّه بن سبأ» من مختلقاته أيضاً؛ إذ منح لهذه الشخصيّة قابليّة عجيبة حتي جعلها عَلَماً لجميع ضروب الاحتجاج والاعتراض علي عثمان ومعاوية[8] .

راجع: الثورة علي عثمان/عبداللَّه بن سبأ وجه مشبوه.



صفحه 180، 181.





  1. تاريخ الطبري: 283:4.
  2. الکامل في التاريخ: 251:2.
  3. تهذيب التهذيب 3184:467:2، ميزان الاعتدال 3637:255:2.
  4. سَلْع: موضع بقرب المدينة (معجم البلدان: 236:3).
  5. الصِّرمَة: القطعة من الإبل، قيل: هي ما بين العشرين إلي الثلاثين، وقيل: ما بين الثلاثين إلي الخمسين والأربعين (لسان العرب: 337:12).
  6. أي ينجذب ويميل (النهاية: 41:5).
  7. تاريخ الطبري: 284:4.
  8. راجع: الثورة علي عثمان/تحليل لأسباب الثورة علي عثمان.