الصدّ عن إقامة الحدّ علي الوليد











الصدّ عن إقامة الحدّ علي الوليد



1150- مروج الذهب: إنَّ الوليد بن عقبة کان يشرب مع ندمائه ومغنّيه من أوّل الليل إلي الصباح، فلمّا آذنه المؤذّنون بالصلاة خرج مُتفضِّلاً في غلائله،[1] فتقدّم إلي المحراب في صلاة الصبح، فصلّي بهم أربعاً، وقال: أتريدون أن أزيدکم؟ وقيل: إنّه قال في سجوده- وقد أطال-: اشربْ واسقِني.

فقال له بعض من کان خلفه في الصف الأوّل: ما تزيد! لا زادک اللَّه من الخير، واللَّه لا أعجب إلّا ممّن بعثک إلينا والياً، وعلينا أميراً. وکان هذا القائل عتاب بن غيلان الثقفي...

وأشاعوا بالکوفة فعله، وظهر فسقه ومداومته علي شرب الخمر، فهجم عليه

[صفحه 163]

جماعة من المسجد، منهم: أبو زينب بن عوف الأزدي، وجندب بن زهير الأزدي، وغيرهما، فوجدوه سکران مضطجعاً علي سريره، لا يعقل، فأيقظوه من رقدته، فلم يستيقظ. ثمّ تقايأ عليهم ما شرب من الخمر، فانتزعوا خاتمه من يده، وخرجوا من فورهم إلي المدينة؛ فأتَوا عثمانَ بن عفان، فشهدوا عنده علي الوليد أنّه شرب الخمر.

فقال عثمان: وما يدريکما أنّه شرب خمراً؟!

فقالا: هي الخمر التي کنّا نشربها في الجاهليّة؛ وأخرجا خاتمه، فدفعاه إليه، فزجرهما، ودفع في صدورهما، وقال: تنحَّيا عنّي.

فخرجا من عنده وأتيا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وأخبراه بالقصّة. فأتي عثمان وهو يقول: دفعتَ الشهود، وأبطلتَ الحدود!!

فقال له عثمان: فما تري؟

قال: أري أن تبعث إلي صاحبک فتُحضره، فإن أقاما الشهادة عليه في وجهه ولم يدرأ عن نفسه بحجّة أقمت عليه الحدّ!

فلمّا حضر الوليد، دعاهما عثمان: فأقاما الشهادة عليه، ولم يدلِ بحجّة، فألقي عثمان السوط إلي عليٍّ...

فلمّا نظر إلي امتناع الجماعة عن إقامة الحدّ عليه؛ توقّياً لغضب عثمان؛ لقرابته منه، أخذ عليٌّ السوط ودنا منه. فلمّا أقبل نحوه سبَّه الوليد، وقال: يا صاحب مَکس[2] .

[صفحه 164]

فقال عقيل بن أبي طالب- وکان ممّن حضر-: إنّک لتتکلّم يابن أبي معيط کأنّک لا تدري من أنت! وأنت علجٌ من أهل صَفّورِيَّة[3] وهي قرية بين عکاء واللجون، من أعمال الأردن من بلاد طبريّة، وکان ذُکر أنّ أباه کان يهوديّاً منها-.

فأقبل الوليد يَروغُ من عليّ، فاجتذبه عليٌّ فضرب به الأرض، وعلاه بالسوط.

فقال عثمان: ليس لک أن تفعل به هذا!

قال: بل وشرّاً من هذا، إذا فسق ومنع حقّ اللَّه تعالي أن يؤخذ منه!![4] .

1151- أنساب الأشراف عن مسروق- في الوليد بن عقبة-: إنّه حين صلّي لم يَرِمْ[5] حتي قاء. فخرج في أمره إلي عثمان أربعةُ نفر: أبو زينب، وجندب بن زهير، وأبو حبيبة الغفاري، والصعب بن جثامة؛ فأخبروا عثمان خبره.

فقال عبد الرحمن بن عوف: ما له، أجُنّ؟! قالوا: لا، ولکنّه سکر. قال: فأوعدهم عثمان، وتهدّدهم؛ وقال لجندب: أنت رأيت أخي يشرب الخمر؟! قال: معاذ اللَّه، ولکنّي أشهد أنّي رأيته سکران يقلسها[6] من جوفه، وأنّي أخذت خاتمه من يده وهو سکران لا يعقل.

قال أبو إسحاق: فأتي الشهود عائشة، فأخبروها بما جري بينهم وبين

[صفحه 165]

عثمان، وأنّ عثمان زَبَرَهم. فنادت عائشة: إنّ عثمان أبطل الحدود، وتوعّد الشهود.قال الواقدي: وقد يقال: إنّ عثمان ضرب بعض الشهود أسواطاً، فأتوا عليّاً فشکوا ذلک إليه.

فأتي عثمانَ فقال: عطّلتَ الحدود، وضربت قوماً شهدوا علي أخيک؛ فقلبتَ الحکم، وقد قال عمر: لا تُحمل بني اُميّة وآل أبي مُعيط خاصّة علي رقاب الناس.

قال: فما تري؟!

قال: أري أن تعزله، ولا تولّيه شيئاً من اُمور المسلمين، وأن تسأل عن الشهود؛ فإن لم يکونوا أهل ظِنّة ولا عداوة أقمت علي صاحبک الحدّ.

قال: ويقال إنّ عائشة أغلظت لعثمان، وأغلظ لها، وقال: وما أنتِ وهذا!؟ إنّما اُمرتِ أن تَقَرّي في بيتکِ!! فقال قومٌ مثل قوله، وقال آخرون: ومن أولي بذلک منها!! فاضطربوا بالنعال، وکان ذلک أوّل قتالٍ بين المسلمين بعد النبيّ صلي الله عليه و آله[7] .19:3- أنساب الأشراف- في الوليد بن عقبة-: لمّا شُهد عليه في وجهه، وأراد عثمان أن يَحُدَّه، ألبسه جبَّة حبر، وأدخله بيتاً، فجعل إذا بعث إليه رجلاً من قريش ليضربه، قال له الوليد: أنشدک اللَّه أن تقطع رحمي، وتُغضب أميرالمؤمنين عليک، فيَکفّ.

[صفحه 166]

فلمّا رأي ذلک عليّ بن أبي طالب، أخذ السوط ودخل عليه... وجَلَده[8] .



صفحه 163، 164، 165، 166.





  1. رجل متفضّل: أي في ثوب واحد. والغلائل: الدروع، وقيل: بطائن تُلبس تحت الدروع (لسان العرب: 502:11 و ص 526).
  2. المَکس: الضريبة التي يأخذها الماکِس؛ وهو العشّار (لنهاية: 349:4). والظاهر أنّ مراده هو حَدّيّة الإمام وعدم مداهنته.
  3. صَفُّورِيَة: بلدة من نواحي الاُردن بالشام وهي قرب طَبَرية (معجم البلدان: 414:3).
  4. مروج الذهب: 344:2 وراجع الأغاني: 139:5.
  5. الرَّيْم: البَراح؛ يقال: ما يَريمُ يفعل ذلک؛ أي ما يبرح (لسان العرب: 259:12).
  6. القَلَس: ما خرج من الجوف؛ مل ء الفم، أو دونه، وليس بقي ء، فإن عاد فهو القي ء (النهاية: 100:4).
  7. أنساب الأشراف: 144:6، شرح نهج البلاغة: 1152.
  8. أنساب الأشراف: 145:6، شرح نهج البلاغة: 20:3؛ الشافي: 254:4.