راي عمر فيمن رشّحهم للخلافة
[صفحه 100] دِرَّته[1] حافياً حتي أتي بَقِيعَ الغَرْقَد،[2] فاستلقي علي ظهره، وجعل يضرب أخمصَ[3] قدميه بيده، وتأوَّهَ صَعَداً[4] . فقلت له: يا أميرالمؤمنين، ما أخرجک إلي هذا الأمر؟! قال: أمر اللَّه يابن عبّاس! قال: [قلت:][5] إن شئتَ أخبرتُک بما في نفسک. قال: غُصْ غَوّاصُ،[6] إن کنت لتقول فتحسن! قال: [قلت:]ذکرت هذا الأمر بعينه وإلي مَن تصيّره. قال: صدقت! قال: فقلت له: أين أنت عن عبد الرحمن بن عوف؟ فقال:ذاک رجل ممسک، وهذا الأمر لا يصلح إلّا لمُعطٍ في غير سرفٍ، ومانع في غير إقتار. قال: فقلت: سعد بن أبي وقّاص؟ قال: مؤمن ضعيف. [صفحه 101] قال: فقلت: طلحة بن عبداللَّه؟[7] . قال: ذاک رجل يناول للشرف والمديح، يعطي ماله حتي يصل إلي مال غيره، وفيه بَأْوٌ[8] وکِبْرٌ. قال: فقلت: فالزبير بن العوّام؛ فهو فارس الإسلام؟ قال: ذاک يومٌ إنسان ويومٌ شيطان، وعفّة نفس، إن کان ليکادح علي المِکْيَلة من بُکرة إلي الظهر حتي يفوته الصلاة! قال: فقلت: عثمان بن عفّان؟ قال: إن وليَ حمَل ابن أبي مُعَيط وبني اُميّة علي رقاب الناس، وأعطاهم مال اللَّه، ولئن وليَ ليفعلنّ واللَّه، ولئن فعل لتسيرنّ العرب إليه حتي تقتله في بيته! ثمّ سکت. قال: فقال: امضها، يابن عبّاس، أتري صاحبکم لها موضعاً؟ قال: فقلت: وأين يتبعّد من ذلک مع فضله وسابقته وقرابته وعلمه! قال: هو واللَّه کما ذکرت، ولو وليهم تحمَّلَهم علي منهج الطريق؛ فأخذ المحجّة الواضحة! إلّا أنّ فيه خصالاً: الدعابة في المجلس، واستبداد الرأي، والتَّبْکِيت[9] للناس مع حداثة السنّ. قال: قلت: يا أميرالمؤمنين، هلّا استحدثتم سنّه يوم الخندق إذ خرج عمرو [صفحه 102] بن عبد ودّ، وقد کُعِم[10] عنه الأبطال وتأخّرت عنه الأشياخ! ويوم بدر إذ کان يَقُطّ[11] الأقرانَ قطّاً، ولا سبقتموه بالإسلام إذ کان جعلته السعب[12] وقريش يستوفيکم! فقال: إليک يابن عبّاس! أتريد أن تفعل بي کما فعل أبوک وعليّ بأبي بکر يوم دخلا عليه؟! قال: فکرهت أن اُغضبه فسکتُّ. فقال: واللَّه، يابن عبّاس، إنّ عليّاً ابن عمّک لأحقّ الناس بها! ولکنّ قريشاً لا تحتمله. ولئن وَلِيَهم ليأخذنّهم بمرّ الحقّ لا يجدون عنده رخصة؛ ولئن فعل لينکُثُنّ بيعته ثمّ ليتحاربُنّ![13] . 1055- شرح نهج البلاغة عن ابن عبّاس: کنت عند عمر، فتنفّس نفَساً ظننت أنّ أضلاعه قد انفرجت، فقلت: ما أخرج هذا النفَس منک يا أميرالمؤمنين إلّا همٌّ شديد! قال: إي واللَّه يابن عبّاس! إنّي فکّرت فلم أدرِ فيمن أجعل هذا الأمر بعدي. ثمّ قال: لعلّک تري صاحبک لها أهلاً! قلت: وما يمنعه من ذلک مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه! [صفحه 103] قال: صدقت! ولکنّه امرؤ فيه دعابة. قلت: فأين أنت عن طلحة؟ قال: ذو البأْو، وبإصبعه المقطوعة! قلت: فعبد الرحمن؟ قال: رجلٌ ضعيف؛ لو صار الأمر إليه لوضع خاتمه في يد امرأته! قلت: فالزبير؟ قال: شَکِسٌ لَقِس[14] يلاطم في النَّقِيع في صاع من بُرّ! قلت: فسعد بن أبي وقّاص؟ قال: صاحب سلاح ومِقْنَب[15] . قلت: فعثمان؟ قال: أوِّه!- ثلاثاً- واللَّه، لئن وليها ليَحملنّ بني أبي مُعَيط علي رقاب الناس، ثمّ لتنهض العرب إليه!.... ثمّ أقبل علَيَّ بعد أن سکت هنيهةً، وقال: أجرؤهم واللَّه، إن وليها، أن يحملهم علي کتاب ربّهم وسنّة نبيّهم صلي الله عليه و آله لصاحبک! أما إن وليَ أمرهم حملهم علي المحجّة البيضاء والصراط المستقيم![16] . 1056- المصنّف عن عبد الرحمن القاري: إنّ عمر بن الخطّاب ورجلاً من [صفحه 104] الأنصار کانا جالسين... ثمّ قال عمر للأنصاري: من تري الناس يقولون يکون الخليفة بعدي؟ فعدّد رجالاً من المهاجرين، ولم يُسمِّ عليّاً. فقال عمر: فما لهم من أبي الحسن! فواللَّه إنّه لَأحْراهم، إن کان عليهم، أن يقيمهم علي طريقة من الحقّ![17] . 1057- الإمامة والسياسة عن عمر بن الخطّاب- في قضيّة الشوري-: واللَّه، ما يمنعني أن أستخلفک يا سعد إلّا شدّتک وغلظتک، مع أنّک رجلُ حربٍ! وما يمنعني منک يا عبد الرحمن إلّا أنّک فرعون هذه الاُمّة! وما يمنعني منک يا زبير إلّا أنّک مؤمن الرضي، کافر الغضب! وما يمنعني من طلحة إلّا نَخْوته[18] وکِبْره، ولو وليها وضع خاتمه في إصبع امرأته! وما يمنعني منک يا عثمان إلّا عصبيّتک وحبّک قومَک وأهلَک! وما يمنعني منک يا عليّ إلّا حرصک عليها! وإنّک أحري القوم، إن وُلِّيتها، أن تقيم علي الحقّ المبين، والصراط المستقيم[19] . 1058- الطبقات الکبري عن عمرو بن ميمون: شهدتُ عمر يوم طُعن... ثمّ قال: ادعوا لي عليّاً، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، [صفحه 105] وسعداً؛ فلم يکلّم أحداً منهم غير عليّ وعثمان. فقال: يا عليّ، لعلّ هؤلاء القوم يعرفون لک قرابتک من النبيّ صلي الله عليه و آله، وصهرک، وما آتاک اللَّه من الفقه والعلم، فإن وليتَ هذا الأمر فاتّقِ اللَّه فيه! ثمّ دعا عثمان فقال: يا عثمان، لعلّ هؤلاء القوم يعرفون لک صهرک من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وسنّک وشرفک، فإن وليتَ هذا الأمر فاتّقِ اللَّه، ولا تَحملنّ بني أبي مُعَيط علي رقاب الناس! ثمّ قال: ادعوا لي صُهيباً، فدُعي، فقال: صلِّ بالناس ثلاثاً، وليَخْلُ هؤلاء القوم في بيت، فإذا اجتمعوا علي رجلٍ، فمن خالفهم فاضربوا رأسه. فلمّا خرجوا من عند عمر، قال عمر: لو ولَّوها الأجْلَح[20] سلک بهم الطريق! فقال له ابن عمر: فما يمنعک يا أميرالمؤمنين؟ قال: أکره أن أتحمّلها حيّاً وميّتاً.[21] .
1054- تاريخ اليعقوبي: روي عن ابن عبّاس قال: طرقني عمر بن الخطّاب بعد هدأة من الليل، فقال: اخرج بنا نحرس نواحي المدينة. فخرج، وعلي عنقه
صفحه 100، 101، 102، 103، 104، 105.