الخروج بنفسه إلي غزو الفرس











الخروج بنفسه إلي غزو الفرس



1043- الإمام عليّ عليه السلام- في کلام له وقد استشاره عمر في الشخوص لقتال الفرس بنفسه-: إنّ هذا الأمر لم يکن نصره ولا خذلانه بکثرة ولا بقلّة، وهو دين اللَّه الذي أظهره، وجنده الذي أعدّه وأمدّه، حتي بلغ ما بلغ، وطلع حيث طلع، ونحن علي موعودٍ من اللَّه، واللَّه منجزٌ وعده، وناصرٌ جنده.

ومکان القيّم بالأمر مکان النِّظام[1] من الخرز؛ يجمعه ويضمّه، فإن انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب، ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً. والعرب اليوم وإن کانوا قليلاً فهم کثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع. فکن قطباً، واستَدِر الرَّحي

[صفحه 90]

بالعرب، وأصْلِهم دونک نار الحرب؛ فإنّک إن شَخَصت من هذه الأرض انتقضتْ عليک العرب من أطرافها وأقطارها، حتي يکون ما تدع وراءک من العورات أهمّ إليک ممّا بين يديک. إنّ الأعاجم إن ينظروا إليک غداً يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا اقتطعتموه استرحتم؛ فيکون ذلک أشدّ لکَلَبهم[2] عليک وطمعهم فيک. فأمّا ما ذکرت من مسير القوم إلي قتال المسلمين، فإنّ اللَّه سبحانه هو أکره لمسيرهم منک، وهو أقدر علي تغيير ما يکره! وأمّا ما ذکرت من عددهم، فإنّا لم نکن نقاتل فيما مضي بالکثرة، وإنّما کنّا نقاتل بالنصر والمعونة![3] .

1044- الإمام عليّ عليه السلام- لعمر لمّا استشار الناس في أن يسير فيمن معه لقتال الفرس-: إنّ هذا الأمر لم يکن نصره ولا خذلانه لکثرة ولا قلّة؛ هو دينه الذي أظهرَ، وجنده الذي أعزَّ وأيّده بالملائکة، حتي بلغ ما بلغ، فنحن علي موعود من اللَّه، واللَّه منجزٌ وعده، وناصرٌ جنده.

ومکانک منهم مکان النظام من الخرز؛ يجمعه ويمسکه، فإن انحلّ تفرّق ما فيه وذهب، ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً. والعرب اليوم وإن کانوا قليلاً فهي کثير عزيز بالإسلام؛ فأقِم، واکتب إلي أهل الکوفة- فهم أعلام العرب ورؤساؤهم- ومن لم يَحفِل[4] بمن هو أجمَعُ وأحَدُّ وأجَدُّ من هؤلاء: فليأتهم الثلثان وليُقِم الثلث، واکتب إلي أهل البصرة أن يمدّوهم ببعض من عندهم[5] .

[صفحه 91]

1045- الإرشاد عن أبي بکر الهذلي: سمعت رجالاً من علمائنا يقولون: تکاتبت الأعاجم من أهل همذان وأهل الريّ وأهل أصفهان وقُومس[6] ونهاوند،[7] وأرسل بعضهم إلي بعضٍ أنّ ملِک العرب الذي جاء بدينهم وأخرج کتابهم قد هلک- يعنون النبيّ صلي الله عليه و آله- وأنّه ملَکَهم من بعده رجلٌ مُلکاً يسيراً ثمّ هلک- يعنون أبا بکر- وقام بعده آخر قد طال عمره حتي تناولکم في بلادکم وأغزاکم جنوده- يعنون عمر بن الخطّاب- وإنّه غير منتهٍ عنکم حتي تُخرِجوا من في بلادکم من جنوده، وتَخرجوا إليه فتغزوه في بلاده. فتعاقدوا علي هذا وتعاهدوا عليه. فلمّا انتهي الخبر إلي من بالکوفة من المسلمين أنهوه إلي عمر بن الخطّاب، فلمّا انتهي إليه الخبر فزع عمر لذلک فزعاً شديداً، ثمّ أتي مسجد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فصعد المنبر، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: معاشر المهاجرين والأنصار! إنّ الشيطان قد جمع لکم جموعاً، وأقبل بها ليطفئ نور اللَّه، ألا إنّ أهل همذان وأهل أصفهان والريّ وقومس ونهاوند مختلفة ألسنتها وألوانها وأديانها، قد تعاهدوا وتعاقدوا أن يُخرجوا من بلادهم إخوانکم من المسلمين، ويخرجوا إليکم فيغزوکم في بلادکم، فأشيروا عليّ وأوجِزوا ولا تُطنبوا في القول، فإنّ هذا يوم له ما بعده من الأيّام.

فتکلّموا، فقام طلحة بن عبيد اللَّه- وکان من خطباء قريش- فحمد اللَّه وأثني

[صفحه 92]

عليه، ثمّ قال: يا أميرالمؤمنين، قد حَنکتْک الاُمور، وجَرَّستْک[8] الدهور، وعَجمتْک[9] البلايا، وأحکمتک التجارب، وأنت مبارک الأمر، ميمون النَّقِيبة،[10] قد وليتَ فخَبَرت، واختبرت وخُبِرت، فلم تنکشف من عواقب قضاء اللَّه إلّا عن خيار، فاحضر هذا الأمر برأيک ولا تغِب عنه! ثمّ جلس.

فقال عمر: تکلّموا. فقام عثمان بن عفّان، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال:

أمّا بعدُ يا أميرالمؤمنين، فإنّي أري أن تُشخِص أهل الشام من شامهم، وأهل اليمن من يمنهم، وتسير أنت في أهل هذين الحرمين وأهل المصرين الکوفة والبصرة، فتلقي جمع المشرکين بجمع المؤمنين، فإنّک يا أميرالمؤمنين لا تستبقي من نفسک بعد العرب باقيةً، ولا تُمتَّع من الدنيا بعزيز، ولا تلوذ منها بحريز، فاحضره برأيک ولا تغِب عنه! ثمّ جلس.

فقال عمر: تکلّموا. فقال أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام:

الحمد للَّه- حتي تمّ التحميد والثناء علي اللَّه والصلاة علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله- ثمّ قال: أمّا بعدُ، فإنّک إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلي ذراريهم، وإن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلي ذراريهم، وإن أشخصت من بهذين الحرمين انتقضت العرب عليک من أطرافها وأکنافها، حتي يکون ما تدع وراء ظهرک من عيالات العرب أهمّ إليک ممّا بين يديک.

[صفحه 93]

وأمّا ذکرک کثرة العجم ورهبتک من جموعهم، فإنّا لم نکن نقاتل علي عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بالکثرة، وإنّما کنّا نقاتل بالنصر! وأمّا ما بلغک من اجتماعهم علي المسير إلي المسلمين، فإنّ اللَّه لمسيرهم أکره منک لذلک، وهو أولي بتغيير ما يکره! وإنّ الأعاجم إذا نظروا إليک قالوا: هذا رجل العرب، فإن قطعتموه فقد قطعتم العرب، فکان أشدَّ لکَلَبهم، وکنت قد ألَّبْتهم[11] علي نفسک، وأمدّهم من لم يکن يمدّهم. ولکنّي أري أن تقرّ هؤلاء في أمصارهم، وتکتب إلي أهل البصرة فليتفرّقوا علي ثلاث فرق: فلتَقُم فرقة منهم علي ذراريهم حرساً لهم، ولتَقُم فرقة في أهل عهدهم لئلّا ينتقضوا، ولتَسِرْ فرقة منهم إلي إخوانهم مدداً لهم!

فقال عمر: أجل، هذا الرأي! وقد کنت اُحبّ أن اُتابع عليه. وجعل يکرّر قول أميرالمؤمنين عليه السلام وينْسقه[12] ؛ إعجاباً به واختياراً له[13] .

134- الفتوح: لمّا سمع عمر مقالة عليّ- کرّم اللَّه وجهه- ومشورته [في حرب الفرس] أقبل علي الناس وقال: وَيْحکم! عجزتم کلّکم عن آخرکم أن تقولوا کما قال أبو الحسن![14] .



صفحه 90، 91، 92، 93.





  1. النظام: ما نَظَمْتَ فيه الشي ء من خيط وغيره (لسان العرب: 578:12).
  2. کَلِبَ علي الشي ء: إذا اشتدّ حِرْصُه علي طلب شي ء (تاج العروس: 381:2).
  3. نهج البلاغة: الخطبة 146، بحارالأنوار: 79:193:40.
  4. الحَفْل: المُبالاة. يقال: ما أحْفِلُ بفلان ؛ أي ما اُبالي به (لسان العرب: 159:11).
  5. تاريخ الطبري: 123:4 عن أبي طعمة، البداية والنهاية: 107:7.
  6. قُومِس: تعريب کومس، واسمها هذا اليوم «سمنان»، وتقع وسط إيران في الجنوب الشرقي من طهران، وهي مرکز محافظة سمنان.
  7. نُهَاوَنْد: تقع في جنوبي همذان وشرق کرمانشاه علي بعد 130 کيلو متراً، وجنوب غربي ملاير علي بعد 64 کيلو متراً، طولها: 48 درجة و 22 دقيقة، وعرضها: 34 درجة و 12 دقيقة. وهي مدينة علي جبل، وفيها أنهار وبساتين. قيل: إنّ نوحاً عليه السلام بناها. وکانت وقعة عظيمة للمسلمين زمن عمر بن الخطّاب (راجع تقويم البلدان: 416).
  8. أي حَنَکَتْک وأحْکَمتْک، وجَعلتْک خبيراً بالاُمور مُجرّباً (النهاية: 261:1).
  9. أي خَبَرتْک ؛ من العَجْم: العَضِّ. يقال: عَجَمْتُ العُودَ؛ إذا عَضَضْتَه لتنظُر أصُلْبٌ هو أم رِخْوٌ (النهاية: 188:3).
  10. أي مُنَجَّحُ الفِعال، مُظَفَّر المَطالِب. والنَّقيبة: النَّفْس. وقيل: الطَّبيعة والخَليقة (النهاية: 102:5).
  11. التأليب: التحريض (لسان العرب: 216:1).
  12. النَّسَق: ماجاء من الکلام علي نظامٍ واحد. وأنْسَقَ الرجلُ: إذا تکلَّم سَجْعاً (تاج العروس: 457:13).
  13. الإرشاد: 207:1 وراجع الکامل في التاريخ: 180:2 وتاريخ الطبري: 122:4 تا 125 والفتوح: 289:2 تا 295 والأخبار الطوال: 1046.
  14. الفتوح: 295:2.