بيعة أبي بكر من وجهة نظر عمر











بيعة أبي بکر من وجهة نظر عمر



1021- تاريخ اليعقوبي عن عمر بن الخطّاب: کانت بيعة أبي بکر فلتة، وقي اللَّه شرّها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه[1] .

[صفحه 75]

1022- صحيح البخاري عن ابن عبّاس: کنت اُقرئ رجالاً من المهاجرين، منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمني وهو عند عمر بن الخطّاب في آخر حجّة حجّها إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال: لو رأيتَ رجلاً أتي أميرالمؤمنين اليوم فقال: يا أميرالمؤمنين هل لک في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً فوَاللَّه ما کانت بيعة أبي بکر إلّا فلتة فتمّت! فغضب عمر، ثمّ قال: إنّي إن شاء اللَّه لقائم العشيّة في الناس؛ فمحذِّرهم هؤلاء الذي يريدون أن يغصبوهم اُمورهم.

قال عبد الرحمن: فقلت: يا أميرالمؤمنين، لا تفعل؛ فإنّ الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنّهم هم الذين يغلبون علي قربک حين تقوم في الناس، وأنا أخشي أن تقوم فتقول مقالة يطيِّرها، عنک کل مطيِّر، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها علي مواضعها، فامهل حتي تقدم المدينة؛ فإنّها دار الهجرة والسنّة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمکِّناً؛ فيعي أهل العلم مقالتک، ويضعونها علي مواضعها.

فقال عمر: أما واللَّه- إن شاء اللَّه- لأقومنّ بذلک أول مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عبّاس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجّة، فلمّا کان يوم الجمعة عجّلتُ الرواح حين زاغت الشمس، حتي أجدَ سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلي رکن المنبر، فجلستُ حوله[2] تمسّ رکبتي رکبته، فلم أنشب[3] أن خرج عمر بن الخطاب، فلمّا رأيته مقبلاً قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولنّ العشيّة مقالة لم يقُلها منذ استُخلف! فأنکر عليَّ، وقال: ما عسيتَ أن يقول

[صفحه 76]

ما لم يَقُل قبله!!

فجلس عمر علي المنبر، فلمّا سکت المؤذِّنون قام، فأثني علي اللَّه بما هو أهله، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي قائلٌ لکم مقالة قد قُدِّر لي أن أقولها، لا أدري لعلّها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليُحدِّث بها حيث انتهت به راحلتُه، ومن خشي أن لا يعقلها فلا اُحلّ لأحد أن يکذِب عليّ:

إنّ اللَّه بعث محمّداً صلي الله عليه و آله بالحقّ، وأنزل عليه الکتاب، فکان ممّا أنزل اللَّه آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها؛ رجم[4] رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ورجمنا بعده، فأخشي إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: «واللَّه ما نجد آية الرجم في کتاب اللَّه»، فيضلّوا بترک فريضة أنزلها. اللَّه والرجم في کتاب اللَّه حقّ علي من زني إذا اُحصن؛ من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة، أو کان الحبل، أو الاعتراف.

ثمّ إنّا کنّا نقرأ فيما نقرأ من کتاب اللَّه «أن لا ترغبوا عن آبائکم»[5] ؛ فإنّه کفرٌ بکم أن ترغبوا عن آبائکم، أو إنّ کُفراً بکم أن ترغبوا عن آبائکم، ألا ثمّ إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قال: لا تُطروني کما اُطري عيسي بن مريم، وقولوا عبداللَّه ورسوله.

ثمّ إنّه بلغني أنّ قائلاً منکم يقول: واللَّه لو قد مات عمر بايعتُ فلاناً، فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول: إنّما کانت بيعة أبي بکر فلتة وتمّت! ألا وإنّها قد کانت کذلک، ولکنّ اللَّه وقي شرّها، وليس فيکم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بکر. من بايع

[صفحه 77]

رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي تابعه تَغِرّة أن يُقتلا[6] .قال ابن أبي الحديد بعد نقل خطبة عمر عن الطبري: هذا حديث متّفق عليه من أهل السيرة، وقد وردت الروايات فيه بزيادات؛ روي المدائني قال: لمّا أخذ أبو بکر بيد عمر وأبي عبيدة وقال للناس: قد رضيت لکم أحد هذين الرجلين، قال أبو عبيدة لعمر: امدُد يدک نبايعک. فقال عمر: ما لک في الإسلام فَهَّةٌ[7] غيرها! أ تقول هذا وأبو بکر حاضر!! ثمّ قال للناس: أيّکم يطيب نفساً أن يتقدّم قدمين قدّمهما رسول اللَّه صلي الله عليه و آله للصلاة!! رضيَک رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لديننا، أفلا نرضاک لدنيانا!! ثمّ مدّ يده إلي أبي بکر فبايعه.

وهذه الرواية هي التي ذکرها قاضي القضاة في کتاب المغني.

وقال الواقدي في روايته في حکاية کلام عمر: واللَّه لأنْ اُقدّم فاُنحر کما يُنحر البعير، أحبُّ إليّ من أن أتقدّم علي أبي بکر.

وقال شيخنا أبو القاسم البلخي: قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ: إن الرجل الذي قال: «لو قد مات عمر لبايعت فلاناً» عمّار بن ياسر، قال: لو قد مات عمر لبايعتُ عليّاً عليه السلام، فهذا القولُ هو الذي هاج عمرَ أن خطب بما خطب به.

[صفحه 78]

وقال غيره من أهل الحديث: إنّما کان المعزوم علي بيعته لو مات عمر طلحة ابن عبيد اللَّه.

فأمّا حديث الفَلتة، فقد کان سبق من عمر أن قال: إنّ بيعة أبي بکر کانت فلتة وقي اللَّه شرّها؛ فمن عاد إلي مثلها فاقتلوه.

وهذا الخبر الذي ذکرناه عن ابن عبّاس وعبد الرحمن بن عوف فيه حديث الفلته ؛ ولکنّه منسوق علي ما قاله أوّلاً، ألا تراه يقول: فلا يغرّنّ امرأً أن يقول:

«إنّ بيعة أبي بکر کانت فلتة، فلقد کانت کذلک»، فهذا يُشعر بأنّه قد کان قال من قبل: إنّ بيعة أبي بکر کانت فلتة...[8] .

راجع: کتاب «شرح نهج البلاغة»: 26:2 تا 37، في نقل کلام السيّد المرتضي ونقده.



صفحه 75، 76، 77، 78.





  1. تاريخ اليعقوبي: 158:2، المسترشد: 213 وفيه «ثمّ أمر بقتل من عاد لمثل فعله» بدل «فمن عاد لمثلها فاقتلوه»؛ الملل والنحل: 32:1 وراجع شرح نهج البلاغة: 30:2.
  2. کذا، وفي مسند ابن حنبل: «حَذاءه».
  3. لم ينشَبْ أن فعل کذا: أي لم يلبث وحقيقته: لم يتعلّق بشي ء غيره، ولا اشتغل بسواه (النهاية: 52:5).
  4. من الواضح عدم وجود نصّ قرآني بهذا التعبير.
  5. من الواضح عدم وجود نصّ قرآني بهذا التعبير.
  6. صحيح البخاري: 6442:2503:6، مسند ابن حنبل: 391:121:1، صحيح ابن حبّان: 413:146:2 و ص 414:155، المصنّف لابن أبي شيبة: 5:615:7، المصنّف لعبد الرزّاق: 9758:439:5، السيرة النبويّة لابن هشام: 307:4، أنساب الأشراف: 265:2 وفيه «إنّ عمر بن الخطّاب خطب خطبة، قال فيها...»، تاريخ الطبري: 203:3 تا 205، الکامل في التاريخ: 11:2، تاريخ دمشق: 280:30 تا 284، شرح نهج البلاغة: 22:2، السيرة النبويّة لابن کثير: 486:4 کلّها نحوه.
  7. الفَهَّة: السَّقْطَة والجهلة (النهاية: 482:3).
  8. شرح نهج البلاغة: 25:2.