انكار موت النبيّ











انکار موت النبيّ



924- سنن الدارمي عن عکرمة: توفّي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم الإثنين، فحُبس بقيّة يومه وليلته والغد حتي دفن ليلة الأربعاء، وقالوا: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لم يمُت، ولکن عُرج بروحه کما عُرج بروح موسي، فقام عمر فقال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله لم يمُت، ولکن عُرج بروحه کما عُرج بروح موسي، واللَّهِ لا يموت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتي يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتکلّم حتي اُزبد شدقاه ممّا يوعد ويقول.

فقام العبّاس فقال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قد مات، وإنّه لبشر، وإنّه يأسُنُ[1] کما يأسن البشر. أي قومِ فادفنوا صاحبکم؛ فإنّه أکرم علي اللَّه من أن يُميته إماتتين،

[صفحه 8]

أيُميت أحدَکم إماتة ويميته إماتتين وهو أکرم علي اللَّه من ذلک؟!

أي قوم فادفنوا صاحبکم؛ فإن يک کما تقولون فليس بعزيز علي اللَّه أن يبحث عنه التراب. إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله واللَّهِ ما مات حتي ترک السبيل نهجاً واضحاً، فأحلّ الحلال وحرّم الحرام، ونکح وطلّق، وحارب وسالم.

ما کان راعي غنم يتبع بها صاحبها رؤوس الجبال يخبط عليها العضاة بمخبطه، ويمدُر[2] حوضها بيده بأنصبَ ولا أدأب من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله کان فيکم أي قومِ، فادفنوا صاحبکم[3] .

925- الطبقات الکبري عن عائشة: لمّا توفّي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، استأذن عمر والمغيرة بن شعبة، فدخلا عليه فکشفا الثوب عن وجهه فقال عمر: واغشيا! ما أشدّ غشيَ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله. ثمّ قاما، فلمّا انتهيا إلي الباب قال المغيرة: يا عمر مات واللَّه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله! فقال عمر: کذبت! ما مات رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ولکنّک رجل تحوشک فتنة، ولن يموت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتي يُفني المنافقين.

ثمّ جاء أبو بکر وعمر يخطب الناس فقال له أبو بکر: اسکت! فسکت، فصعد أبو بکر، فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قرأ: «إِنَّکَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُم مَّيِّتُونَ»،[4] ثمّ قرأ: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَبِکُمْ»،[5] حتي فرغ من الآية، ثمّ قال: من کان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات، ومن کان

[صفحه 9]

يعبداللَّه فإنّ اللَّه حيٌّ لا يموت!

قال: فقال عمر: هذا في کتاب اللَّه؟ قال: نعم! فقال: أيّها الناس! هذا أبو بکر وذو شيبة المسلمين فبايِعوه! فبايعه الناس[6] .

926- تاريخ اليعقوبي- في ذکر وفاة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله-: خرج عمر فقال: واللَّه ما مات رسول اللَّه ولا يموت، وإنّما تغيّب کما غاب موسي بن عمران أربعين ليلة ثمّ يعود، واللَّه ليقطعنّ أيدي قوم وأرجلهم.

وقال أبو بکر: بل قد نعاه اللَّه إلينا فقال: «إِنَّکَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُم مَّيِّتُونَ». فقال عمر: واللَّه لکأنّي ما قرأتها قطّ! ثمّ قال:


لعَمْري لقد أيقنتُ أنّک ميتٌ
ولکنّما أبدي الذي قلتُه الجزَعْ[7] .


927- صحيح البخاري عن عائشة: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله مات وأبو بکر بالسُّنْح-[8] يعني بالعالية- فقام عمر يقول: واللَّه ما مات رسول اللَّه صلي الله عليه و آله! قالت: وقال عمر: واللَّه ما کان يقع في نفسي إلّا ذاک، وليبعثنّه اللَّه، فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم.

فجاء أبو بکر فکشف عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فقبّله، قال: بأبي أنت واُمّي، طبتَ حيّاً وميّتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقک اللَّه الموتتين أبداً. ثمّ خرج فقال: أيّها الحالف علي رِسْلِکَ، فلمّا تکلّم أبو بکر جلس عمر، فحمد اللَّه أبو بکر وأثني عليه،

[صفحه 10]

وقال:

ألا من کان يعبد محمّداً صلي الله عليه و آله فإنّ محمّداً قد مات، ومن کان يعبداللَّه فإنّ اللَّه حيٌّ لا يموت. وقال: «إِنَّکَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُم مَّيِّتُونَ». وقال: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَبِکُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَي عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيًْا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّکِرِينَ». فنشجَ الناس يبکون[9] .

928- دلائل النبوّة عن عروة- في ذکر وفاة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله-: قام عمر بن الخطّاب يخطب الناس ويوعِد من قال: «قد مات» بالقتل والقطع ويقول: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في غَشيته لو قد قام قطع وقتل، وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن اُمّ مکتوم قائم في مؤخّر المسجد يقرأ «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ» إلي قوله «وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّکِرِينَ» والناس في المسجد قد ملؤوه ويبکون ويموجون لا يسمعون، فخرج عبّاس بن عبد المطّلب علي الناس فقال: يا أيّها الناس، هل عند أحد منکم مِن عهدٍ من رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في وفاته فليحدّثنا؟ قالوا: لا. قال: هل عندک يا عمر من علم؟ قال: لا. قال العبّاس:

أشهد أيّها الناس أنّ أحداً لا يشهد علي النبيّ صلي الله عليه و آله لعهد عهده إليه في وفاته، واللَّه الذي لا إله إلّا هو، لقد ذاق رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الموت.

وأقبل أبو بکر من السُّنْح علي دابّته حتي نزل بباب المسجد، ثمّ أقبل مکروباً حزيناً، فاستأذن في بيت ابنته عائشة، فأذنت له، فدخل ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله قد توفّي علي الفراش والنسوة حوله، فخمّرن وجوههنّ واستترن من أبي بکر إلّا ما کان

[صفحه 11]

من عائشة، فکشف عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فحنا عليه يقبّله ويبکي ويقول: ليس ما يقول ابن الخطّاب شي ء، توفّي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله والذي نفسي بيده، رحمةُ اللَّه عليک يا رسول اللَّه! ما أطيبک حيّاً وما أطيبک ميّتاً! ثمّ غشّاه بالثوب، ثمّ خرج سريعاً إلي المسجد يتوطّأ رقاب الناس، حتي أتي المنبر، وجلس عمر حين رأي أبا بکر مقبلاً إليه، فقام أبو بکر إلي جانب المنبر ثمّ نادي الناس فجلسوا وأنصتوا، فتشهّد أبو بکر بما علمه من التشهّد وقال:

إنّ اللَّه تبارک وتعالي نعي نبيّکم إلي نفسه وهو حيّ بين أظهرکم، ونعاکم إلي أنفسکم؛ فهو الموت حتي لا يبقي أحد إلّا اللَّه عزّ وجلّ، قال اللَّه تبارک وتعالي: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ» إلي قوله «وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّکِرِينَ» فقال عمر: هذه الآية في القرآن؟! واللَّه ما علمت أنّ هذه الآية اُنزلت قبل اليوم!![10] .

929- صحيح البخاري عن أنس بن مالک: انّه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس علي المنبر، وذلک الغدُ من يومِ توفّي النبيّ صلي الله عليه و آله، فتشهّد وأبو بکر صامت لا يتکلّم، قال: کنت أرجو أن يعيش رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتي يدبُرنا- يريد بذلک أن يکون آخرهم- فإن يک محمّد صلي الله عليه و آله قد مات فإنّ اللَّه تعالي قد جعل بين أظهرکم نوراً تهتدون به بما هدي اللَّه محمّداً صلي الله عليه و آله، وإنّ أبا بکر صاحب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ثاني اثنين؛ فإنّه أولي المسلمين باُمورکم، فقوموا فبايعوه، وکانت طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلک في سقيفة بني ساعدة، وکانت بيعة العامّة علي المنبر[11] .

[صفحه 12]

930- صحيح ابن حبّان عن أنس بن مالک: أنّه سمع عمر بن الخطّاب من الغد حين بويع أبو بکر في مسجد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، واستوي أبو بکر علي منبر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، قام عمر فتشهّد قبل أبي بکر ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّي قلت لکم أمسِ مقالةً لم تکن کما قلت، وإنّي واللَّه ما وجدتها في کتاب أنزله اللَّه، ولا في عهد عهِدهُ إليّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ولکنّي کنت أرجو أن يعيش رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حتي يَدبُرنا- يقول: حتي يکون آخرنا- فاختار اللَّه جلّ وعلا لرسوله صلي الله عليه و آله، الذي عنده علي الذي عندکم، وهذا کتاب اللَّه هدي اللَّهُ به رسوله صلي الله عليه و آله، فخذوا به تهتدوا بما هدي اللَّه به رسوله صلي الله عليه و آله[12] .

[صفحه 13]



صفحه 8، 9، 10، 11، 12، 13.





  1. أي يتغيّر (النهاية: 50:1).
  2. مدَرَهُ: أي طيّنه وأصلحه بالمَدَر؛ وهو الطين المتماسک؛ لئلّا يخرج منه الماء (النهاية: 309:4).
  3. سنن الدارمي: 83:42:1، الطبقات الکبري: 266:2، أنساب الأشراف: 243:2 عن ابن عبّاس وکلاهما نحوه، کنز العمّال: 18773:244:7.
  4. الزمر: 30.
  5. آل عمران: 144.
  6. الطبقات الکبري: 267:2، مسند ابن حنبل: 25899:44:10، البداية والنهاية: 241:5 کلاهما نحوه، کنز العمّال: 18755:232:7.
  7. تاريخ اليعقوبي: 114:2؛ السيرة النبويّة لابن هشام: 305:4 عن أبي هريرة، شرح نهج البلاغة: 178:1 و ج 43:2 کلّها نحوه وليس فيها «بيت الشعر».
  8. السُّنْح: موضع قرب المدينة المنوّرة- علي ساکنها أفضلُ الصلاة والسلام- کان به مسکن أبي بکر (تاج العروس: 96:4).
  9. صحيح البخاري: 3467:1341:3، سنن ابن ماجة: 1627:520:1، مسند ابن حنبل: 25899:45:10، الطبقات الکبري: 268:2، تاريخ الطبري: 200:3 کلاهما عن أبي هريرة، الکامل في التاريخ: 9:2، شرح نهج البلاغة: 40:2، البداية والنهاية: 242:5 کلّها نحوه.
  10. دلائل النبوّة للبيهقي: 217:7، البداية والنهاية: 242:5 و 243، کنز العمّال: 18775:245:7.
  11. صحيح البخاري: 6793:2639:6، صحيح ابن حبّان: 6875:297:15؛ الطرائف: 453 نحوه.
  12. صحيح ابن حبّان: 6620:589:14، الطبقات الکبري: 271:2، المصنّف لعبد الرزّاق: 9756:437:5 نحوه.