حداثة السنّ











حداثة السنّ



1011- شرح نهج البلاغة: روي أبو بکر الأنباري في أماليه أنّ عليّاً عليه السلام جلس إلي عمر في المسجد وعنده ناس، فلمّا قام عرّض واحد بذِکره، ونسبه إلي التَّيه والعُجب.

[صفحه 69]

فقال عمر: حقٌّ لمثله أن يتيه! واللَّه، لولا سيفه لما قام عمود الإسلام، وهو بعدُ أقضي الاُمّة، وذو سابقتها، وذو شرفها.

فقال له ذلک القائل: فما منعکم يا أميرالمؤمنين عنه؟!

قال: کرهناه علي حداثة السنّ، وحبّه بني عبد المطّلب[1] .

1012- الإمامة والسياسة: قال أبو عبيدة بن الجرّاح- بعد بيعة أبي بکر- لعليّ کرّم اللَّه وجهه: يابن عمّ، إنّک حديث السنّ، وهؤلاء مشيخة قومک، ليس لک مثل تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور، ولا أري أبا بکر إلّا أقوي علي هذا الأمر منک، وأشدّ احتمالاً واضطلاعاً به، فسلِّم لأبي بکر هذا الأمر؛ فإنّک إن تعِش ويطُل بک بقاء فأنت لهذا الأمر خليق، وبه حقيق، في فضلک، ودينک، وعلمک، وفهمک، وسابقتک، ونسبک، وصهرک[2] .

1013- تاريخ دمشق عن ابن عبّاس: بينا أنا مع عمر بن الخطّاب في بعض طرق المدينة- يده في يدي- إذ قال لي: يابن عبّاس، ما أحسب صاحبک إلّا مظلوماً!! فقلت: فرُدّ إليه ظلامتَه يا أميرالمؤمنين!!

فانتزع يده من يدي، ونفر منّي يهمهم، ثمّ وقف حتي لحقته، فقال لي: يابن عبّاس، ما أحسب القوم إلّا استصغروا صاحبک!!

قلت: واللَّه، ما استصغره رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حين أرسله وأمره أن يأخذ براءة من أبي بکر فيقرأها علي الناس!! فسکت[3] .

[صفحه 70]

1014- محاضرات الاُدباء عن ابن عبّاس: کنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلة،- وعمر علي بغل، وأنا علي فرس- فقرأ آية فيها ذکر عليّ بن أبي طالب، فقال: أما واللَّه يا بني عبد المطّلب! لقد کان عليّ فيکم أولي بهذا الأمر منّي ومن أبي بکر.

فقلت في نفسي: لا أقالني اللَّه إن أقلته، فقلت: أنت تقول ذلک يا أميرالمؤمنين، وأنت وصاحبک وثبتما وافترعتما[4] الأمر منّا دون الناس!!

فقال: إليکم يا بني عبد المطّلب! أما إنّکم أصحاب عمر بن الخطّاب.

فتأخّرتُ، وتقدّم هنيهة، فقال: سِر، لا سرت، وقال: أعد عليَّ کلامک!

فقلت: إنّما ذکرتَ شيئاً فرددتُ عليک جوابه، ولو سکتّ سکتنا.

فقال: إنّا واللَّه ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة، ولکن استصغرناه، وخشينا أن لا تجتمع عليه العرب وقريش؛ لما قد وترها.

قال: فأردتُ أن أقول: کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يبعثه فينطح کبشها فلم يستصغره، أفتَستصغره أنت وصاحبک؟! فقال: لا جرم، فکيف تري، واللَّه ما نقطع أمراً دونه، ولا نعمل شيئاً حتي نستأذنه[5] .

1015- أخبار الدولة العبّاسيّة: قال عمر لعبداللَّه بن عبّاس: أتدري ما منع الناس من ابن عمّک أن يولّوه هذا الامر؟ قال: ما أدري! قال عمر: لحداثة سنّه. قال: فقد کان يوم بدر أحدثهم سنّاً! يقدّمونه في المأزرة، ويؤخّرونه في

[صفحه 71]

الإمامة!! حدثنا أبو عمر، وأحمد بن عبداللَّه يرفعه، قال: مرّ عمر بعليّ عليه السلام وهو يحدّث الناس عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فقال: إلي أين يا أميرالمؤمنين؟ فقال: اُريد الحديقة- يعني بستاناً له-. فقال: أاُونِسُک بابن عبّاس؟ فقال عمر: إذن اُوحشک منه! فقال عليّ عليه السلام: إني أوثرک به علي نفسي، قم يابن عبّاس فحدّثه. فقام إليه وسايره.

فقال عمر: ما أکمل صاحبکم هذا لولا! فقال عبداللَّه: لولا ماذا؟ فقال عمر: لولا حداثة سنّه، وکلفه بأهل بيته، وبغض قريش له.

فقال عبداللَّه بن عبّاس: أتأذن لي في الجواب؟ فقال عمر: هاتِ. فقال: أمّا حداثة سنّه، فما استحدث من جعله اللَّه لنبيّه أخاً، وللمسلمين وليّاً. وأمّا کلفه بأهل بيته فما ولي فآثر أهل بيته علي رضاء اللَّه. وأما بغض قريش له فعلي من تنقم؛ أعلي اللَّه حين بعث فيهم نبيّاً، أم علي نبيّه حين أدّي فيهم الرسالة، أم علي عليّ حين قاتلهم في سبيل اللَّه؟! فقال عمر: يابن عبّاس! أنت تغرف من بحر، وتنحت من صخر[6] .



صفحه 69، 70، 71.





  1. شرح نهج البلاغة: 82:12؛ نهج الحقّ: 251.
  2. الإمامة والسياسة: 29:1، شرح نهج البلاغة: 12:6 عن سعيد بن کثير الأنصاري.
  3. تاريخ دمشق: 349:42، شرح نهج البلاغة: 46:12 و ج 45:6، أخبار الدولة العبّاسيّة: 128 نحوه.
  4. فَرَع بينهم يفرِع فَرْعا: حجَزَ وکفَّ (تاج العروس: 338:11). وافترعوا الحديث: ابتدؤوه (تاج العروس: 342:11). وفي کتاب اليقين «انتزعتما» بدل «افترعتما».
  5. محاضرات الاُدباء: 464:4؛ اليقين: 523.
  6. أخبار الدولة العبّاسيّة: 129.