وعي الإمام في مواجهة الفتنة
بني هاشم لا تُطمعوا الناسَ فيکمُ فمَا الأمرُ إلّا فيکمُ وإليکمُ أبا حَسنٍ فَاشْدُد بها کَفّ حازِمٍ ثمّ نادي بأعلي صوته: يا بني هاشم! يا بني عبد مناف! أرضيتم أن يلي عليکم أبو فصيل... أما واللَّه لئن شئتم لأملأنّها خيلاً ورجلاً! [صفحه 54] فناداه أميرالمؤمنين عليه السلام: ارجع يا أبا سفيان، فواللَّه ما تريد اللَّهَ بما تقول، وما زلتَ تکيدُ الإسلام وأهلَه، ونحن مشاغيل برسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وعلي کلّ امرئٍ ما اکتسب، وهو وليّ ما احتقب[1] . 981- أنساب الأشراف عن الحسين عن أبيه: إنّ أبا سفيان جاء إلي عليّ عليه السلام، فقال: يا علي، بايعتم رجلاً من أذلّ قبيلة من قريش! أما واللَّه لئن شئتَ لأضرمنّها عليه من أقطارها، ولأملأنّها عليه خيلاً ورجالاً!! فقال له عليّ: إنّک طالما ما غششتَ اللَّهَ ورسولَه والإسلام، فلم ينقصه ذلک شيئاً[2] . 982- تاريخ الطبري عن عوانة: لمّا اجتمع الناس علي بيعة أبي بکر، أقبل أبو سفيان وهو يقول: واللَّه إنّي لأري عجاجةً لا يُطفئها إلّا دم! يا آل عبد مناف، فيمَ أبو بکر من اُمورکم؟! أين المُستضعَفان؟! أين الأذلّان؛ عليّ والعبّاس؟! وقال: أبا حسنٍ، ابسط يدک حتي اُبايعک. فأبي عليّ عليه، فجعل يتمثّل بشعر المتلمّس: ولَن يُقيمَ علَي خَسْفٍ يُرادُ به هذا علَي الخَسفِ مَعکوسٌ بِرُمّتهِ فزجره عليٌّ، وقال: إنّک واللَّه ما أردت بهذا إلّا الفتنة، وإنّک واللَّه طالما بغيت الإسلام شرّاً، لا حاجة لنا في نصيحتک[3] . [صفحه 55] 983- تاريخ اليعقوبي- بعد بيعة أبي بکر في السقيفة-: جاء البراء بن عازب فضرب الباب علي بني هاشم، وقال: يا معشر بني هاشم، بويع أبو بکر! فقال بعضهم: ما کان المسلمون يُحدثون حدثاً نغيب عنه ونحن أولي بمحمّد!! فقال العبّاس: فعلوها وربّ الکعبة. وکان المهاجرون والأنصار لا يشکّون في عليّ، فلمّا خرجوا من الدار قام الفضل بن العبّاس- وکان لسان قريش- فقال: يا معشر قريش، إنّه ما حقّت لکم الخلافة بالتمويه، ونحن أهلُها دونَکم، وصاحبنا أولي بها منکم!! وقام عتبة بن أبي لهب فقال: ما کُنتُ أحسبُ أنّ الأمرَ مُنصرِفٌ عن أوّلِ الناسِ إيماناً وسابِقةً وآخِرُ الناسِ عَهداً بالنبيِّ ومَن مَن فيه ما فِيهمُ لا يَمتَرونَ بهِ فبعثَ إليه عليّ، فنهاه[4] . 984- نزهة الناظر: لمّا قُبض رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، اجتمع أميرالمؤمنين عليه السلام وعمّه العبّاس ومواليهما في دور الأنصار؛ لإجالة الرأي، فبدَرهما أبو سفيان والزبير، وعرضا نفوسهما عليهما، وبذلا من نفوسهما المساعدة والمعاضدة لهما. فقال العبّاس: قد سمعنا مقالتَکما، فلا لقلّةٍ نستعينُ بکما، ولا لظِنَّة[5] نترک رأيکما، لکن لالتماس الحقّ، فأمهلا؛ نراجع الفکر، فإن يکن لنا من الإثم مخرج [صفحه 56] يَصِرّ بنا وبهم الأمر صَريرَ الجُندَب،[6] ونمدّ أکفّاً إلي المجد لا نقبضها أو نبلغ المدي، وإن تکن الاُخري فلا لقلّة في العدد، ولا لوهن في الأيدي، واللَّه لولا أنّ الإسلام قيد الفتک لتدکدکت جنادلُ صخر، يُسمع اصطکاکُها من محلّ الأبيل[7][8] وجثا علي رکبتيه- وکذا کان يفعل إذا تکلّم- فقال عليه السلام: الحلم زين، والتقوي دين، والحجّة محمّد صلي الله عليه و آله، والطريق الصراط. أيّها الناس، رحمکم اللَّه، شقّوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم[9] سفن النجاة، وعرّجوا عن سبيل المنافرة، وحطّوا تيجان المفاخرة. أفلح من نهض بجناح، أو استسلم فأراح. ماء آجن،[10] ولقمة يغصّ بها آکلها، ومجتني الثمرة في غير وقتها کالزارع في غير أرضه، واللَّه لو أقول لتداخلت أضلاعٌ کتداخل أسنان دوّارة الراحي، وإن أسکت يقولوا: جزع ابن أبي طالب من الموت. هيهات! بعد اللتيّا والتي، واللَّه لعليٌّ آنسُ بالموت من الطفل بثدي اُمّه، لکنّي اندمجتُ علي مکنون علمٍ لو بُحت به لاضطربتم اضطرابَ الأرشية[11] في الطَّويّ[12] البعيدة. [صفحه 57] ثم نهض عليه السلام فقال أبو سفيان: لشي ء ما فارقنا ابن أبي طالب![13] . 985- العقد الفريد عن مالک بن دينار: تُوفّي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وأبو سفيان غائب في مسعاة أخرجه فيها رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فلمّا انصرف لقي رجلاً في بعض طريقه مقبلاً من المدينة، فقال له: مات محمّد؟ قال:نعم. قال: فمن قام مقامه؟ قال: أبو بکر. قال أبو سفيان: فما فعل المستضعفان؛ عليّ والعبّاس؟! قال: جالسَين. قال: أما واللَّه، لئن بقيتُ لهما لأرفعنّ من أعقابهما. ثمّ قال: إنّي أري غيرةً لا يطفئها إلّا دم. فلمّا قَدِم المدينة جعل يطوف في أزقّتها ويقول: بَني هاشمَ لا تَطمعِ الناسُ فيکمُ فمَا الأمرُ إلّا فيکمُ وإليکمُ فقال عمر لأبي بکر: إنّ هذا قد قَدِم، وهو فاعلٌ شرّاً، وقد کان النبيّ صلي الله عليه و آله يستألفه علي الإسلام، فدع له ما بيده من الصدقة. ففعل، فرضي أبو سفيان، وبايعه[14] . 986- الإمام عليّ عليه السلام- من کتاب له إلي معاوية-: کان أبوک أتاني حين ولّي الناس أبا بکر، فقال: أنت أحقّ الناس بهذا الأمر منهم کلّهم بعد محمّد، وأنا يدک علي من شئت، فابسط يدکَ اُبايعک؛ فأنت أعزّ العرب دعوة. فکرهتُ ذلک؛ کراهةً للفرقة، وشقّ عصا الاُمّة؛ لقرب عهدهم بالکفر والارتداد، فإن کنتَ تعرف [صفحه 58] من حقّي ما کان أبوک يعرفه أصبتَ رشدک، وإن لم تفعل استعنتُ باللَّه عليک، ونِعمَ المستعان، وعليه توکّلت، وإليه اُنيب[15] .
980- الإرشاد: قد کان أبو سفيان جاء إلي باب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وعليّ والعبّاس متوفّران علي النظر في أمره، فنادي:
ولا سِيَما تَيم بنَ مُرّة أو عَدِي
وليس لها إلّا أبو حَسَنٍ عَلي
فإنّک بالأمرِ الذي يُرتَجي مَلي
إلّا الأذلّانِ عَيْر الحيّ والوَتد
وذا يُشَجُّ فلا يَبکي له أحدُ
عن هاشمٍ ثمّ مِنها عن أبي الحَسنِ
وأعلمُ الناسِ بالقرآنِ والسُّننِ
جِبريلُ عَونٌ لَه في الغُسلِ والکَفَنِ
وليسَ في القَومِ ما فيهِ من الحَسَنِ
ولاسِيَما تَيمُ بنُ مُرّةَ أو عَدِي
ولَيسَ لها إلّا أبو حَسنٍ عَلي
صفحه 54، 55، 56، 57، 58.
قال: فحلّ أميرالمؤمنين عليه السلام حِبْوَته،