اعتراض الإمام علي قرار السقيفة











اعتراض الإمام علي قرار السقيفة



969- الإمام عليّ عليه السلام- في خطبة تشتمل علي الشکوي من أمر الخلافة-: أما

[صفحه 47]

واللَّه لقد تقمّصها فلان وإنّه ليعلم أنّ محلِّي منها محلّ القطب من الرحا، ينحدر عنّي السيل ولا يرقي إليّ الطير، فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها کَشْحاً،[1] وطفقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جَذّاء،[2] أو أصبر علي طَخْيَة[3] عمياء، يهرم فيها الکبير، ويشيب فيها الصغير، ويکدح فيها مؤمن حتي يلقي ربّه! فرأيت أنّ الصبر علي هاتا أحجي، فصبرت وفي العين قذيً، وفي الحلق شجاً،[4] أري تراثي نهباً[5] .

970- عنه عليه السلام: وقد قال قائل: إنّک علي هذا الأمر يابن أبي طالب لحريص! فقلت: بل أنتم واللَّه لأحرص وأبعد، وأنا أخَصّ وأقرب، وإنّما طلبت حقّاً لي، وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه. فلمّا قرّعته بالحجّة في الملأِ الحاضرين هبّ کأنّه بُهِت لا يدري ما يجيبني به!

اللهمّ إنّي أستعديک علي قريش ومن أعانهم! فإنّهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا علي منازعتي أمراً هو لي. ثمّ قالوا: ألا إنّ في الحقّ أن

[صفحه 48]

تأخذه، وفي الحقّ أن تترکه[6] .

971- عنه عليه السلام- يصف حاله قبل البيعة له-: فنظرتُ فإذا ليس لي معين إلّا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت علي القذي، وشربت علي الشجا، وصبرت علي أخذ الکظم وعلي أمرّ من طعم العلقم[7] .

972- عنه عليه السلام- في التظلّم والتشکّي من قريش-: اللهمّ إنّي أستعديک علي قريش ومن أعانهم؛ فإنّهم قد قطعوا رحمي، وأکفؤوا إنائي، وأجمعوا علي منازعتي حقّاً کنت أولي به من غيري، وقالوا: «ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه، وفي الحقّ أن تمنعه، فاصبر مغموماً، أو مُت متأسّفاً»، فنظرتُ فإذا ليس لي رافد، ولا ذابّ، ولا مساعد، إلّا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنيّة، فأغضيت علي القذي، وجرعت ريقي علي الشجا، وصبرت من کظم الغيظ علي أمرّ من العلقم، وآلم للقلب من وخز الشفار[8] .

973- الإمام زين العابدين عليه السلام: بينما أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه في أصعب موقف بصفّين، إذ قام إليه رجل من بني دودان، فقال: ما بالُ قومکم دفعوکم عن هذا الأمر وأنتم الأعلون نسباً، وأشدّ نوطاً[9] بالرسول، وفهماً بالکتاب والسنّة؟!

[صفحه 49]

فقال: سألت- يا أخا بني دودان- ولک حقّ المسألة، وذِمام الصهر، وإنّک لقَلِق الوَضِين،[10] ترسل عن ذي مسد،[11] إنّها إمرة شحّت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ونِعْم الحَکم اللَّه. فدَعْ عنکَ نَهباً صِيحَ في حُجراتِه[12] .

974- الإمام عليّ عليه السلام- لبعض أصحابه وقد سأله: کيف دفعکم قومکم عن هذا المقام وأنتم أحقّ به؟-: يا أخا بني أسد، إنّک لقلق الوضين، ترسل في غير سددٍ، ولک بعد ذِمامة الصِّهر، وحقّ المسألة، وقد استعلمت فاعلم:

أمّا الاستبداد علينا بهذا المقام- ونحن الأعلون نسباً والأشدّون برسول اللَّه صلي الله عليه و آله نَوطاً- فإنّها کانت أثَرَةً، شَحّت عليها نفوس قومٍ، وسَخَت عنها نفوس آخرين، والحَکَمُ اللَّهُ، والمعود إليه القيامة.


ودَعْ عنکَ نهباً صِيحَ في حجَراتِه
ولکن حَديثاً ما حَديث الرواحلِ[13] [14] .


راجع: القسم السادس/وقعة صفّين/حرب الدعاية.

[صفحه 50]



صفحه 47، 48، 49، 50.





  1. الکَشْح: ما بين الخاصرة إلي الضلع الخَلْف، کناية عن امتناعه وإعراضه عنها (مجمع البحرين: 1572:3).
  2. جَذّاء: أي مقطوعة، وهي کناية عن عدم الناصر له (مجمع البحرين: 279:1).
  3. الطَّخْيَة: الظلمة والعتمة (مجمع البحرين: 1097:2).
  4. القذي: ما يقع في العين فيؤذيها کالغبار ونحوه. والشجا: ما ينشب في الحلق من عظمٍ ونحوه فيُغصُّ به، وهما کنايتان عن النقمة ومرارة الصبر والتألّم من الغبن (مجمع البحرين: 932:2).
  5. نهج البلاغة: الخطبة 3، معاني الأخبار: 1:361، علل الشرائع: 12:150، الإرشاد: 287:1، الأمالي للطوسي: 803:372 کلّها عن ابن عبّاس، الجمل: 171 وليس فيه من «فسدلت» إلي أحجي».
  6. نهج البلاغة: الخطبة 172 وراجع کشف المحجّة: 247.
  7. نهج البلاغة: الخطبة 26، المناقب لابن شهر آشوب: 271:1.
  8. نهج البلاغة: الخطبة 217، الغارات: 308:1، کشف المحجّة: 248،الصراط المستقيم: 43:3؛ الإمامة والسياسة: 176:1 کلّها نحوه.
  9. ناطه: علّقه (المصباح المنير: 630). أي أشدّ تعلّقاً بالرسول صلي الله عليه و آله.
  10. الوَضِين: بِطانٌ منسوج بعضه علي بعض؛ يُشدّ به الرّحل علي البعير کالحزام للسرج. أراد أنّه سريع الحرکة، يصفه بالخفّة وقلة الثبات کالحزام إذا کان رخوا (النهاية: 199:5).
  11. کذا في المصدر، وفي نهج البلاغة: الخطبة 162 «تُرسل في غير سَدَد» وهو المناسب للسياق.
  12. الأمالي للصدوق: 986:716 عن أبي الأحوص المصري عن جماعة من أهل العلم عن الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام، علل الشرائع: 2:146 عن أبي الأحوص عمّن حدّثه عن آبائه عن الإمام الحسن عليه السلام، الإرشاد: 294:1، الفصول المختارة: 77، نثر الدرّ: 287:1، المسترشد: 122:371 والأربعة الأخيرة من دون إسناد إليه عليه السلام وکلّها نحوه.
  13. البيت لامرئ القيس بن حجر الکندي، وروي أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لم يستشهد إلّا بصدره فقط وأتمّه الرواة (شرح نهج البلاغة: 243:9).
  14. نهج البلاغة: الخطبة 162.