امتناع الإمام من البيعة

967- الردّة: أرسل أبو بکر إلي عليّ فدعاه، فأقبل والناس حضور، فسلّم وجلس، ثمّ أقبل علي الناس، فقال: لِمَ دعوتني؟ فقال له عمر: دعوناک للبيعة التي قد اجتمع عليها المسلمون، فقال عليّ: يا هؤلاء، إنّما أخذتم هذا الأمر من الأنصار بالحجّة عليهم والقرابة لأبي بکر؛ لأنّکم زعمتم أنّ محمّداً صلي الله عليه و آله منکم،

[صفحه 44]

فأعطَوکم المَقادة، وسلّموا إليکم الأمر، وأنا أحتجّ عليکم بالذي احتججتم به علي الأنصار، نحن أولي بمحمّدٍ صلي الله عليه و آله حيّاً وميّتاً؛ لأنّا أهل بيته، وأقرب الخلق إليه، فإن کنتم تخافون اللَّه فأنصفونا، واعرفوا لنا في هذا الأمر ما عرفته لکم الأنصار.

فقال له عمر: إنّک أيّها الرجل لست بمتروک أو تبايع کما بايع غيرک. فقال عليّ رضي الله عنه: إذاً لا أقبل منک ولا اُبايع من أنا أحقّ بالبيعة منه. فقال له أبو عبيدة بن الجرّاح: واللَّه يا أبا الحسن، إنّک لحقيق لهذا الأمر لفضلک وسابقتک وقرابتک، غير أنّ الناس قد بايعوا ورضوا بهذا الشيخ، فارضَ بما رضي به المسلمون.

فقال له عليّ کرّم اللَّه وجهه: يا أبا عبيدة، أنت أمين هذه الاُمّة!! فاتّقِ اللَّه في نفسک؛ فإنّ هذا اليوم له ما بعده من الأيّام، وليس ينبغي لکم أن تُخرجوا سلطان محمّد صلي الله عليه و آله من داره وقعر بيته إلي دورکم وقعور بيوتکم؛ ففي بيوتنا نزل القرآن، ونحن معدِن العلم والفقه والدين والسنّة والفرائض، ونحن أعلم باُمور الخلق منکم؛ فلا تتّبعوا الهوي فيکونَ نصيبکم الأخسّ.

فتکلّم بشير بن سعد الأنصاري فقال: يا أبا الحسن، أما واللَّه لو أنّ هذا الکلام سمعه الناس منک قبل البيعة لَما اختلف عليک رجلان، ولَبايعک الناس کلّهم، غير أنّک جلست في منزلک ولم تشهد هذا الأمر، فظنّ الناس أن لا حاجة لک فيه، والآن فقد سبقتْ البيعة لهذا الشيخ، وأنت علي رأس أمرک.

فقال له عليّ: ويحک يا بشير! أفکان يجب أن أترک رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في بيته فلم أجبه إلي حفرته، وأخرج اُنازع الناس بالخلافة؟![1] .

[صفحه 45]

968- شرح نهج البلاغة عن سعيد بن کثير بن عُفير الأنصاري- في ذکر يوم السقيفة-: کثر الناس علي أبي بکر، فبايعه معظم المسلمين في ذلک اليوم، واجتمعت بنو هاشم إلي بيت عليّ بن أبي طالب ومعهم الزبير؛ وکان يعدّ نفسه رجلاً من بني هاشم، کان عليّ يقول: ما زال الزبير منّا أهل البيت حتي نشأ بنوه فصرفوه عنّا. واجتمعت بنو اُميّة إلي عثمان بن عفّان، واجتمعت بنو زهرة إلي سعد وعبد الرحمن، فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة فقال: مالي أراکم ملتاثين؟[2] قوموا فبايعوا أبا بکر؛ فقد بايع له الناس، وبايعه الأنصار. فقام عثمان ومن معه، وقام سعد وعبد الرحمن ومن معهما فبايعوا أبا بکر.

وذهب عمر ومعه عصابة إلي بيت فاطمة، منهم اُسيد بن حُضير، وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا، فأبَوا عليه، وخرج إليهم الزبير بسيفه، فقال عمر: عليکم الکلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده، فضرب به الجدار، ثمّ انطلقوا به وبعليّ ومعهما بنو هاشم، وعليّ يقول: أنا عبداللَّه وأخو رسول اللَّه صلي الله عليه و آله. حتي انتهوا به إلي أبي بکر، فقيل له: بايِع، فقال:أنا أحقّ بهذا الأمر منکم، لا اُبايعکم وأنتم أولي بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول اللَّه، فأعطوکم المَقادة وسلّموا إليکم الإمارة، وأنا أحتجّ عليکم بمثل ما احتججتم به علي الأنصار، فأنصفونا إن کنتم تخافون اللَّه من أنفسکم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لکم، وإلّا فبوؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.

[صفحه 46]

فقال عمر: إنّک لست متروکاً حتي تبايع، فقال له عليّ: احلب ياعمر حلباً لک شطره، اُشدد له اليوم أمره ليردّ عليک غداً، ألا واللَّه لا أقبل قولک ولا اُبايعه. فقال له أبو بکر: فإن لم تبايعني لم اُکرهک.

فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن! إنّک حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قريش قومک، ليس لک مثل تجربتهم ومعرفتهم بالاُمور، ولا أري أبا بکر إلّا أقوي علي هذا الأمر منک، وأشدّ احتمالاً له واضطلاعاً به، فسلّمْ له هذا الأمر وارضَ به؛ فإنّک إن تعِش ويطُل عمرک فأنت لهذا الأمر خليق، وبه حقيق في فضلک وقرابتک وسابقتک وجهادک.

فقال عليّ: يامعشر المهاجرين، اللَّهَ اللَّهَ لا تُخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلي بيوتکم ودورکم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فواللَّه يا معشر المهاجرين، لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منکم، أما کان منّا القارئ لکتاب اللَّه، الفقيه في دين اللَّه، العالم بالسنّة، المضطلع بأمر الرعيّة؟ واللَّه إنّه لفينا؛ فلا تتّبعوا الهوي؛ فتزدادوا من الحقّ بُعداً.

فقال بشير بن سعد: لو کان هذا الکلام سمعته منک الأنصار ياعليّ قبل بيعتهم لأبي بکر ما اختلف عليک اثنان، ولکنّهم قد بايعوا!.

وانصرف عليّ إلي منزله ولم يبايع، ولزم بيته حتي ماتت فاطمة فبايع[3] .

صفحه 44، 45، 46.

الردّة: 46 وراجع الاحتجاج: 36:182:1 والمسترشد: 123:374 وشرح نهج البلاغة: 6:6 تا 12 والإمامة والسياسة: 28:1.
اللوثة: الاسترخاء والبطء (لسان العرب: 185:2).
شرح نهج البلاغة: 11:6؛ بحارالأنوار: 60:347:28.