تحقيق حول كلام الإمام











تحقيق حول کلام الإمام



نُقل کلام الإمام عليّ عليه السلام حول السقيفة بثلاث صور:

1- أتکون الخلافة بالصحابة والقرابة؟[1] .

2- أتکون الخلافة بالصحابة ولا تکون بالصحابة والقرابة؟[2] .

3- أتکون الخلافة بالصحابة [والقرابة] ولا تکون بالقرابة والنصّ؟[3] .

ولا شکّ في أنّ أحد هذه الأقوال الثلاثة صادر عن الأمام، ولا يمکن القول بأنّ هذه الأقوال الثلاثة صادرة عنه بأجمعها. بيد أنّ الجملة الاُولي يمکن اعتبارها جزءاً من الجملة الثالثة، أمّا الجملتان الاُولي والثالثة فمتعارضتان قطعاً. وعلي هذا إمّا يجب اختيار الجملة الثانية، وإمّا واحدة من الجملتين

[صفحه 38]

الاُخرَيتين.

يذهب البعض إلي القول بأنّ الإمام عليّاً عليه السلام ذکر الجملة الثانية. وهذا يعني أنّه انتهج سبيل الجدال بالتي هي أحسن؛ بمعني أنّ الإمام عليه السلام يؤمن بالنصّ علي الإمامة، ويؤکّد عليه. إلّا أنّ لحن الکلام يوحي بأنّه يريد القول بأنّ الحقائق قد انقلبت ولم يعدُ أحد يقبل هذه الحقيقة. ولذا لجأ إلي اُسلوب الجدال بالتي هي أحسن مع أصحاب السقيفة، قائلاً: إذا کانت الصحبة شرطاً في الخلافة، فلماذا لا تُضاف إليها القرابة مع رسول اللَّه؟ بمعني أنّ صحبة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إذا اجتمع معها عنصر القرابة منه، يکون من تجتمعان فيه أولي بالخلافة من غيره[4] .

وهذا الاستدلال لا يصمد أمام النقد لأسباب متعدّدة، هي:

1- عند ما احتجّ الأنصار يوم السقيفة بصحبتهم لرسول اللَّه صلي الله عليه و آله لنيل الخلافة، احتجّ عليهم المهاجرون- وعلي رأسهم أبو بکر وعمر- بأنّ صحبة رسول اللَّه عليه السلام وحدها لا تکفي، ولا بدّ من شرط القرابة أيضاً. فقال عمر:... واللَّه لا ترضي العرب أن يؤمّروکم ونبيّها من غيرکم، ولکن العَرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من کانت النبوّة فيهم، وولي اُمورهم منهم، ولنا بذلک علي من أبي من العرب الحجّة الظاهرة والسلطان المبين. من ذا منازعنا سلطانه وإمارته، ونحن أولياؤه وعشيرته، إلّا مدلٍ بباطل أو متجانف لإثم.

واستند أبو بکر أيضاً في ذلک المقام إلي قرابته من رسول اللَّه لإثبات أهليّته للخلافة فقال:

فهم أوّل من عبَد اللَّه في هذه الأرض وآمن باللَّه وبالرسول، وهم أولياؤه

[صفحه 39]

وعشيرته، وأحقّ الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم ذلک إلّا ظالم[5] .

2- بعد أحداث السقيفة سأل الإمام عليّ عليه السلام مَن حضروها عن ماهيّة استدلال الجانبين، ودعاهم إلي النظر في قول من احتجّ بأنّ قريش شجرة الرسول صلي الله عليه و آله قائلاً:

فماذا قالت قريش؟

قالوا: احتجّت بأنّها شجرة الرسول صلي الله عليه و آله، فقال عليه السلام: احتجّوا بالشجرة، وأضاعوا الثمرة![6] .

3- الشعر الذي نقله الشريف الرضي في نهج البلاغة وفي خصائص الأئمّة، ويشتمل علي مضمون کلام الامام عليّ عليه السلام يدلّ علي أنّ المهاجرين استدلّوا بالقرابة، وإنّ الإمام قد استدلّ في مقابلهم بالأقربيّة:


وإن کنتَ بالقُربي حججت خصيمهم
فغيرک أولي بالنبيّ وأقربُ


4- قال علي عليه السلام عند تسليطه الأضواء علي واقعة السقيفة:

قالت قريش: منّا أمير. وقالت الأنصار: منّا أمير. فقالت قريش: منّا محمّد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فنحن أحقّ بذلک الأمر. فعرفَت ذلک الأنصار، فسلّمت لهم الولاية والسلطان. فإذا استحقّوها بمحمدّ صلي الله عليه و آله دون الأنصار، فإنّ أولي الناس بمحمّد صلي الله عليه و آله أحقّ بها منهم[7] .

وفي هذا الصدد أيضاً جاء في الکتاب 28 من نهج البلاغة: لمّا احتجّ

[صفحه 40]

المهاجرون علي الأنصار يوم السقيفة برسول اللَّه عليه السلام فلجوا[8] عليهم، فان يکن الفلج به فالحقّ لنادونکم.

وخلاصة القول في ضوء المبني الصحيّح للإمامة؛ وهو أنّ الإمامة منصب إلهي يتحقّق بالنصّ ولا يستقي مشروعيّته من الشعب، وعدم صحّة حمل القول الأول علي الجدال بالتي هي أحسن، فيکون القول الثالث: «أ تکون الخلافة بالصحابة والقرابة ولا تکون بالقرابة والنصّ؟» هو الصحيح. علماً بأن القول الأوّل يمکن قبوله علي صيغة الاستفهام الإنکاري، فيکون علي النحو التالي: «أ تکون الخلافة بالصحابة والقرابة»؟![9] .



صفحه 38، 39، 40.





  1. نهج البلاغة: (تصحيح صبحي الصالح وتصحيح محمّد عبده) الحکمة 190.
  2. نهج البلاغة: (تصحيح فيض الإسلام) الحکمة 181، نهج البلاغة: (تحقيق وطبع مؤسّسة نهج البلاغة) الحکمة 181، نهج الإيمان: 384، الصراط المستقيم: 67:1، غرر الحکم: 10123، مصادر نهج البلاغة وأسانيده: 190:152:4؛ شرح نهج البلاغة: 185:416:18.
  3. استنتاج من قول السيّد الرضيّ في خصائص الائمّة عليهم السلام: 111 وفيه: «ويروي: والقرابة والنص».
  4. مصادر نهج البلاغة وأسانيده: 152:4، تصنيف نهج البلاغة: 413.
  5. تاريخ الطبري: 220:3، الکامل في التاريخ: 13:2، الإمامة والسياسة: 24:1.
  6. نهج البلاغة: الخطبة 67، خصائص الأئمّة عليهم السلام: 86.
  7. وقعة صفّين: 91؛ شرح نهج البلاغة: 78:15.
  8. فَلَجَ أصحابه: إذا غلبهم (النهاية: 486:3).
  9. فيما يتعلّق بنقض وإبرام هذه النصوص راجع نهج السعادة: 195:4 وشرح الأخبار: 250:1 وحياة الإمام الرضا عليه السلام: 56.