مضمون الرواية











مضمون الرواية



يمکن الطعن بصحّة هذه الرواية من خلال أدني تأمّل في مضمونها وصياغتها. والنقاط التي تتبادر إلي الذهن لأوّل وهلة عند النظر إليها:

1- کيف يمکن التصديق بأنّ رجلاً يمنيّاً أسلم حديثاً أن يستجمع لنفسه کلّ هذه القوّة في مدّة لا تزيد عن العشر سنوات، ويدبّر هذه الثورة الکبري ضدّ خليفة المسلمين؟!

[صفحه 295]

2- المذکور هو أنّ الفترة الممتدّة من اعتناق هذا الرجل للإسلام إلي أيّام الثورة علي عثمان لا تربو علي عشر سنوات قضاها- وفقاً لروايات الطبري- يجوب البلاد الإسلاميّة بمدنها وقراها. فما هي المقدرة الکلاميّة التي کان يجيدها هذا الرجل بحيث استطاع خلال هذه المدّة القصيرة- إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أنّه جاب کلّ هذه البلدان في مدّة عشر سنوات- إثارة أهالي بلادٍ کمصر والحجاز والبصرة والکوفة مع ما يوجد بين هذه البلاد من اختلافات في الثقافات والاتّجاهات الفکريّة؟! وکيف تسنّي له الکلام ضدّ الخليفة بدون أن يقف بوجهه أحد؟! ولماذا لم تذکر المصادر التاريخيّة شيئاً عن مواقفه مع أهالي أيّ من تلک البلدان، ولا عن مواقف أهالي تلک البلدان معه؟!

3- هل يمکن التصديق بأنّ بعض الصحابة الکبار من أمثال أبي ذرّ الذي وصفه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بأنّه أصدق الناس لهجة، وعمّار الذي وصفه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بأنّه مع الحقّ؛ يقعون تحت تأثير کلامه؟ وکيف يمکن لمثل هؤلاء الرجال الذين لم يزعزعهم کلام الخليفة الأوّل ولا الخليفة الثاني ولا الخليفة الثالث عن مواقفهم، أن يزعزعهم کلام رجل أسلم حديثاً إضافةً إلي کونه مجهول النسب؟!

کان أبو ذرّ يحتجّ علي عثمان لأخذه برأي کعب الأحبار اليهودي، فکيف يأخذ هو برأي عبداللَّه بن سبأ ولا تعيب عليه الحکومة وغيرها ذلک؟!

ونضيف إلي ذلک بأنّ العلماء والمفکّرين من الإخوة السُنّة الذين يبجّلون صحابة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، کيف يبيحون لأنفسهم أن يُظهروهم- عند تحليلهم لواقع الأحداث- بهذه الدرجة من السذاجة الفکريّة بحيث يشهرون سيوفهم علي خليفتهم، ويثيرون تلک الفتنة الکبري تحت تأثير کلام رجل يهودي؟!

4- ذکروا أنّه کان له في معرکة الجمل دور بارز، فلماذا لا يوجد عنه أيّ خبر

[صفحه 296]

بعد انتهاء المعرکة؟! والشخص الذي يستطيع أن يفعل ما فعل بالخليفة، لماذا لا يفعل شيئاً في ذروة عزّه واقتداره؟! ولماذا لم يذکر التاريخ حتي اسمه؟!

5- لماذا لم يتحقّق معاوية الذي کان يعتبر نفسه وليّاً لدم عثمان، ويري حتي الصحابة الذين کانوا في المدينة ولم ينهضوا لنجدة عثمان مستحقّين للقتل،[1] لماذا لم يتحقّق في المسبّب الأصلي لتلک الواقعة؟! ولماذا لم تذکر المصادر التاريخيّة ولا خبراً واحداً عن ملاحقة معاوية لعبداللَّه بن سبأ؟!

6- وأخيراً؛ من هو عبداللَّه بن سبأ؟ وما هو نسبه؟ وأين کان قومه؟ ومن أبوه واُمّه، وأين کانا يعيشان؟ وماهي القبيلة التي ينتمي إليها؟

هذه التساؤلات لا يوجد جواب عنها. وکيف لم يدوّن العرب الذين کانوا يعيرون أهمّية فائقة لعلم الأنساب شيئاً عن رجل کان له مثل هذا الصيت الذائع؟! ولماذا لم يشيروا إلي ذکر أحد من قومه؟!

إنّ أمثال هذه التساؤلات تجعل شخصيّة هذا الرجل تبدو وکأنّها مغمورة في هالة من الغموض، حتي اعتبر بين الباحثين المتأخّرين- کما سبقت الإشارة- شخصيّة مشبوهة. فقد شکّک بعض المستشرقين مثل فرد لندر، وبرنارد لويس، وکيتاني، وباحثون سُنّة من أمثال طه حسين من خلال نقد وتحليل الأخبار المتعلّقة بعبداللَّه بن سبأ بوجود مثل هذا الشخص، ونفوا جملة وتفصيلاً دوره الاُسطوري في الوقائع المتعلّقة بمقتل عثمان.

صرّح طه حسين بأنّ عبداللَّه بن سبأ شخصيّة اختلقها خصوم الشيعة، واعتبر

[صفحه 297]

التأکيد علي أصله اليهودي تعريضاً بالمذهب الشيعي. والنقطة المهمّة التي يؤکّدها طه حسين هي أنّ البلاذري- وعلي الرغم من دقّة نقله للأحداث التي وقعت في عهد عثمان- لم يذکر شيئاً عن عبداللَّه بن سبأ ودوره في تلک الوقائع. وقد التفت العلاّمة الأميني إلي هذه المسألة وأشار اليها في کتابه «الغدير»[2] .

ومن أوسع البحوث التي جرت فيما يخصّ نقد وتمحيص الأخبار الواردة بشأن عبداللَّه بن سبأ، هي البحوث التي أجراها العلّامة مرتضي العسکري. وعند تقصّيه لمصادر تلک الأخبار؛ توصّل إلي أنّ مصدرها هو تاريخ الطبري. ثمّ يثبت أنّ الدور الاُسطوري لعبداللَّه بن سبأ لم ينقله أحد من المؤرّخين سوي سيف بن عمر!!

يتّضح من خلال التمعّن في الأخبار التي نقلها سيف بن عمر بشأن الأحداث التي وقعت بعد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، بأنّه کان قصّاصاً ماهراً، وأنّه کان يسعي بلا توانٍ وبشکل مقصود إلي تنزيه الحکّام الاُمويّين أو (العدنانيّين حسب تعبير العلّامة العسکري) من جميع القبائح والمفاسد. وقد عمد في هذا السياق إلي تزييف التاريخ کي لا يبقي ثمّة غبار يشوّه صورة عثمان ومعاوية وطلحة والزبير. وقد ذکر العلّامة العسکري بأنّ هذا الشخص تحدّث عن مائة وخمسين صحابيّاً مختلقاً ليس لهم وجود إلّا في ذهنه، ولم يردّ ذکر أحد منهم في أيّ مصدر تاريخي آخر.

وصف علماء رجال السُنّة سيف بن عمر بکلمات من قبيل:

ليس بشي ء، کذّاب، ضعيف، فَلس خير منه، متروک الحديث، عامّة أحاديثه

[صفحه 298]

منکرة، يروي الموضوعات عن الأثبات، کان يضع الحديث، وما شابه ذلک. وکلّها تعکس صورته الکاذبة القبيحة.

يعتقد السيّد العسکري بأنّ عبداللَّه بن سبأ ليس له وجود خارجي، وإنّما هو شخصيّة خياليّة اختلقها سيف بن عمر ودسّها في المصادر التاريخيّة.

وعلي کلّ الأحوال فإنّ ما يمکن التوصّل إليه بشأن عبداللَّه بن سبأ يتلخّص في رأيين متناقضين تماماً، هما:

1- إنّه شخصيّة بارعة وقادرة علي اصطناع المواقف والوقائع وما شابه ذلک.

2- إنّه شخصيّة وهميّة ومختلقة ابتدعها الخيال المريض لسيف بن عمر.



صفحه 295، 296، 297، 298.





  1. وقعة صفّين: 197.
  2. راجع: کتاب «عليّ وبنوه»: 90 تا 92.