عبداللَّه بن سبأ وجه مشبوه











عبداللَّه بن سبأ وجه مشبوه



تحدّثت مصادر التاريخ الإسلامي عن شخص يدعي عبداللَّه بن سبأ. بَيد أنّ الأخبار المتناقضة عن شخصيّته وتأثيره في الأحداث ومقدرته الفکريّة ومکانته الاجتماعيّة والسياسيّة ألقت هالة من الغموض علي صورته الحقيقيّة. فقد ذهب بعض الباحثين[1] إلي تضخيم دوره- بناءً علي ما ورد بشأنه من أخبار- في وقائع صدر الإسلام بشکلٍ مذهل، بل وحتي إنّهم نسبوا إليه- من غير تروٍّ- رؤية خاصّة في الثقافة الإسلاميّة، وعزوا إليه بعض الحوادث من قبيل الثورة علي عثمان. هذا من جهة، ومن جهةٍ اُخري صرّح مفکّرون آخرون بعدم وجود مثل هذه الشخصيّة أساساً، معلنين بأنّه ليس إلّا اُسطورة،[2] أو أنّهم شکّکوا

[صفحه 292]

بوجوده علي الأقل[3] .

ونحن في هذا المدخل لسنا بصدد تقصّي جميع الأخبار الواردة بشأن هذه الشخصيّة، ونکتفي بإلقاء نظرة سطحيّة عليه؛ وننفي تبعاً لذلک دوره في الثورة علي عثمان، ونعلن بأنّ الخبر المتعلّق بتلک الواقعة لا يمکن التعويل عليه من حيث السند والمضمون.

نقل الطبري عن السري عن شعيب عن سيف بن عمر قال:

«کان عبداللَّه بن سبأ يهوديّاً من أهل صنعاء، اُمّه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثمّ تنقّل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم؛ فبدأ بالحجاز، ثمّ البصرة، ثمّ الکوفة، ثمّ الشام... حتي أتي مصر»[4] .يُستشفّ من هذا الخبر أنّ ابن سبأ کان يهوديّاً وأسلم بقصد نشر الضلال بين صفوف المسلمين. ثمّ أخذ يطوف في البلاد والسواد بهدف تحقيق غايته. ويبدو أنّ نقل الطبري هذا أقرب إلي القصّة المختلقة منه إلي الخبر التاريخي. فکيف يمکن لرجل أسلم حديثاً ودخل دائرة الثقافة الإسلاميّة من دائرة اُخري أن يتنقّل بين کلّ هذه البلاد بهذه السرعة في ظلّ ظروف السفر الصعبة آنذاک؟ وماذا کان عساه أن يقول حتي ينشر الضلال في الآفاق؟!

وردت في المصادر التاريخيّة أخبار کثيرة عن عبداللَّه بن سبأ، ونُسبت إليه أعمالٌ نشير إلي جملة منها:

1- هو الذي طرح فکرة وصاية عليّ عليه السلام، ومسألة غصب الخلافة من قبل

[صفحه 293]

عثمان.

2- التأثير في مواقف کبار أصحاب الرسول صلي الله عليه و آله کأبي ذرّ وعمّار،وشخصيّات بارزة اُخري کمالک الأشتر ومحمّد بن أبي بکر، وما إلي ذلک.

3- دعوة الناس للثورة علي عثمان في الکوفة والبصرة ومصر.

4- النهوض ضدّ عثمان وتزعّم الثورة التي انتهت بمقتله.

5- تأجيج نار معرکة الجمل بعدما کادت الاُمور أن تُفضي إلي الصلح.

ولا بأس أن نمحّص هاهنا الرواية الآنف ذکرها من حيث السند والدلالة:



صفحه 292، 293.





  1. مثل محمود محمّد شاکر في «الخلفاء الراشدون»، وفي مجلّة الرسالة: العدد 761 تا 763، وسعيد الأفغاني في «عائشة والسياسة»، وعبد الرحمن بدوي في «مذاهب الإسلاميّين»، وإحسان إلهي ظهير في «الشيعة والسُنّة».
  2. مثل العلّامة مرتضي العسکري في «عبداللَّه بن سبأ وأساطير اُخري»، وعلي الوردي في «وعّاظ السلاطين»، وعبداللَّه الفيّاض في «تاريخ الإماميّة».
  3. مثل طه حسين في کتاب «عليّ وبنوه»، وجواد علي في مجلّة الرسالة: العدد 774 تا 778.
  4. تاريخ الطبري: 340:4.