الاعوان الانتهازيّون











الاعوان الانتهازيّون



هناک أشخاص کانوا مسايرين لعثمان ويرون رأيه، ولکنّهم في هذه الحادثة لم ينصروه بل خذلوه، وصاروا عليه عوناً- ولو بشکل غير مباشر- وهذا من عجائب عِبَر الدنيا.

وأبرز نموذج لهذه الطائفة معاوية؛ فقد کان هو وزمرته تجسيداً حقيقيّاً لهذا التوجّه. والواقع أنّه کان له يد طولي في قتل عثمان. فقد کان بإمکانه أن يرسل من الشام سريّة لحماية الخليفة أو مواجهة المعارضين. بَيد أنّه لم يفعل! وحتي بعدما استنصره عثمان، جاء إلي المدينة بمفرده. وقد أدرک عثمان الغاية من قدومه، فقال له:

[صفحه 288]

«أردتَ أن اُقتل فتقول: أنا وليّ الثأر»[1] .عندما کتب عثمان کتاباً يستحثّه فيه علي نصرته، أخذ يسوّف ويتعلّل إلي أن ذهبت الفرصة أدراج الرياح. لننظر إلي هذا النصّ التاريخي:

«فلمّا جاء معاوية الکتاب تربّص به وکره اظهار مخالفة أصحاب رسول اللَّه وقد علم اجتماعهم».

وهکذا يمکن القول بأنّ معاوية کانت له يد في قتل عثمان بشکلٍ غير مباشر. وکان لتلک اليد تأثيرها کما أشار الإمام عليّ عليه السلام إلي هذا المعني في إحدي کلماته.

وعلي کلّ حال فقد تظافرت التيّارات المنبثقة من أربعة نقاط مهمّة في الخلافة الإسلاميّة آنذاک، وصنعت ثورة شاملة ضدّ عثمان. ومن الطبيعي أنّ حضور جموع غفيرة من المسلمين في المدينة، واعترافهم الصريح علي أعمال عثمان، لم يدفعه هو وبطانته لإعادة النظر في الماضي، بل عمدوا بدلاً من ذلک إلي تجاهل الاُمور، ومعاملة الثائرين بأساليب غير مُرضية، ممّا أدّي إلي تأزيم الأوضاع ومهّد الظروف لقتل عثمان.

يتّضح ممّا مرّ ذکره أنّ ما نقله سيف بن عمر وحاول فيه تجاهل الأسباب والعوامل المذکورة أعلاه تجاهلاً تامّاً، ونسبة الأحداث التي وقعت ضدّ عثمان إلي شخص کعبداللَّه بن سبأ، بعيد عن الحقيقة وعن الواقع التاريخي.

وقد وصفت المصادر الرجاليّة سيف بن عمر بالکذب، وطعنت فيه. وهذا ما يوجب عدم التعويل علي أخباره. وفضلاً عن کلّ ذلک فحتّي لو کان صادقاً، فإنّ

[صفحه 289]

ما نقله من الأخبار جاء علي نحو لا يمکن التصديق به علي الإطلاق، ومن الواضح أنّ دور عبداللَّه بن سبأ فيها موضوع ولا صحّة له. وسوف نبحث هذه المسألة في البيان الآتي.

[صفحه 291]



صفحه 288، 289، 291.





  1. تاريخ اليعقوبي: 175:2.