الاستغلاليون











الاستغلاليون



ولم يغب عن تلک الحشود الغفيرة بعض محترفي السياسة، فرکبوا أمواج الاعتراض أو ساعدوا علي توسيع مداها طمعاً في نيل مکانة أفضل. ومن الطبيعي أنّ أمثال هؤلاء الأشخاص لم يکونوا يُدرکون أوضاع الناس وما کانوا يأبهون لها، ولکنّهم:1- کانوا يشعرون وکأنّهم نُحُّوا إلي الوراء في ظلّ الامتيازات والمناصب التي منحها عثمان لأقاربه.

2- أخذوا يشعرون بعد اتّساع رقعة الثورة أنّ الفرصة قد أصبحت مؤاتية لنيل مآربهم الدنيويّة، والحقيقة هي أنّهم لم يُدرکوا ما ستؤول إليه الأوضاع بعد مقتل عثمان.

[صفحه 286]

إذاً فمعارضتهم لعثمان لم تکن نابعة من حرصهم علي المصلحة العامّة، ولا من باب الغيرة الدينيّة واستشعار الوظيفة الشرعيّة. ومعني هذا أنّهم کانوا يتطلّعون إلي الجاه والرئاسة.

نشير علي سبيل المثال إلي أنّ طلحة کان واحداً منهم، وقد کتب إلي أهل الکوفة بالقدوم إلي المدينة من أجل وضع حدٍّ لتصرّفات عثمان، ويبدو أنّه لم يکن يتوقّع بعد مقتل عثمان سوي تسلّم منصب الخلافة. وکان بعض أنصاره علي مثل ظنّه. فبعدما انتهي سودان بن حمران من قتل عثمان، خرج من الدار ونادي:

«أينَ طلحة بن عبيد اللَّه؟ لقد قتلنا ابن عفّان»[1] .

وفي معرکة الجمل رماه مروان بسهم من خلفه وقتله؛ لأنّه کان يعتبره هو قاتل عثمان.

وهکذا الحال بالنسبة لعائشة أيضاً؛ فقد کانت تأمل أن تکون الغلبة لأقاربها؛ فکانت تقول: «اقتلوا نعثلاً؛ فقد کفر!»، ولکن بعدما انقلبت الاُمور، وآلت إلي مآل آخر، غيّرت موقفها. وهذا ينمّ عن أنّها کانت ترمي إلي شي ء آخر غير الحقّ؛ فعندما أخذوا يسائلونها في وقعة الجمل عن السبب الذي جعلها تحرّضهم قبل ذاک علي قتل عثمان، ثمّ أصبحت تطلب بثأره، قالت: «قد قلتُ وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل»[2] .

ومن هؤلاء الانتهازيّين أيضاً عمرو بن العاص الذي فقد منصبه في عهد

[صفحه 287]

عثمان، وکان يعزّ عليه أن يري بلاد مصر التي فتحها هو قد أصبحت الآن بيد عبداللَّه بن أبي سرح.

ومن هنا فهو کان يسعي لتعجيل الثورة ضدّ عثمان، وقد أشرنا إلي بعض مساعيه في هذا الاتّجاه، وکان يقول:

«أنا أبو عبداللَّه، إذا حککتُ قرحة نکأتها! إن کنت لاُحرّض عليه، حتي إنّي لاُحرّض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل»[3] .وهکذا الحال بالنسبة إلي إلزبير أيضاً؛ فهو کان مسايراً لطلحة، ويطمع في انتهاز فرصة الثورة لتحقيق ما تصبو إليه نفسه، وکان يعتبر نفسه قائداً لهذه الجماعة.



صفحه 286، 287.





  1. تاريخ الطبري: 379:4.
  2. تاريخ الطبري: 459:4.
  3. تاريخ الطبري: 357:4.