موقفه من مبادئ الدين











موقفه من مبادئ الدين



النقطة المهمّة والتي بقيت خافية عن أنظار الباحثين وهي جديرة بالاهتمام، هي التلاعب بالدين، وتحريف الأحکام الإلهيّة، وکانت هذه المسألة ظاهرة بکلّ جلاء في کلمات وشعارات معارضي الخليفة. فسخاء الخليفة وکثرة هباته من بيت المال وتعيينه لأقاربه في المناصب والولايات بعيداً عن الموازين الشرعيّة وبدون أن تتوفّر فيهم الکفاءة المناسبة لشغل هذه المناصب من جهة، وسعي المؤرّخين من جهة اُخري إلي حماية الشخصيّات التاريخيّة بدلاً من حماية التراث التاريخي کلّ ذلک أدّي إلي عدم ظهور ممارسات الخليفة التي ربّما کان لها أکبر الأثر في انتفاض المسلمين ضدّه. نورد فيما يلي بعض الأمثلة عن هذا الموضوع:

روي عن زيد بن أرقم أنّه قيل له: بأيّ شي ء أکْفرتم عثمان؟ قال: بثلاثة: جعلَ المال دُولة بين الأغنياء، وجعل المهاجرين من أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بمنزلة من حارب اللَّه ورسوله، وعمل بغير کتاب اللَّه[1] .

[صفحه 277]

ومن المعارضين لسياسة عثمان: عمّار بن ياسر الذي عرف بوقوفه مع الحقّ، وکان له دور مشهود في التحريض علي عثمان، وخطب في صفّين خطبة حثّ فيها الناس علي مقاتلة معاوية، وقال فيما قال:

انهضوا معي عباد اللَّه إلي قوم يطلبون- فيما يزعمون- بدم الظالم لنفسه، الحاکم علي عباد اللَّه بغير ما في کتاب اللَّه، إنّما قتله الصالحون المنکرون للعدوان، الآمرون بالإحسان، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت دنياهم ولو درس هذا الدين: لِمَ قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه...[2] .

وجاءت بين کلمات الصحابة فيما يخصّ مقتل عثمان تعابير حول أعماله من قبيل: «بدّل دينکم»، و«أحدث أحداثاً»؛ فقد خوطب بالقول: «إنّک أحدثت أحداثاً لم يکن الناس يعهدونها»، «أراد أن يُغيّر ديننا»، «أحدث الأحداث وخالف حکم الکتاب»، «النابذ لحکم القرآن وراء ظهره»، «غيّرتَ کتاب اللَّه»، وما شابه ذلک من التعابير الکثيرة[3] .

ومن الواضح أنّ هذه التعابير تنمّ عن تحريف الدين وتغيير الأحکام، وتبديل السُنّة المحمّديّة، وهذا ما حصل في عهد حکومة عثمان؛ فقد ورد في بعض کتب الصحابة إلي الولايات: «دين محمّد قد اُفسِد».

وعلي کلّ حال لم يمرّ زمن طويل علي عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، ولا يستطيع المسلمون أن يَروا دين اللَّه يتعرّض للتحريف والتلاعب، وتُسخّر أحکام اللَّه لمآرب شخصيّة، ويسکتوا عن ذلک.

[صفحه 278]



صفحه 277، 278.





  1. الشافي: 291:4.
  2. وقعة صفّين: 319.
  3. راجع أنساب الأشراف: 133:6 تا 138 و تاريخ الطبري: 376:4 و ج 43:5 و شرح نهج البلاغة: 36:9 و ج 22:8 و وقعة صفّين: 339.