تحليل لأسباب الثورة علي عثمان











تحليل لأسباب الثورة علي عثمان



تمخّضت الشوري التي عيّنها الخليفة الثاني عن اختيار عثمان خليفة للمسلمين الذي امتاز عهد خلافته وخاصّة السنوات الأخيرة منه بأهمّية استثنائيّة. فقبل ذلک عاش المجتمع الإسلامي حالة من الاستقرار في عهد خلافة الخليفة الثاني. وأکثر ما يُعزي هذا الاستقرار إلي غلظته الممزوجة بالاستبداد. فتحوّل ذلک المجتمع الهادئ بين ليلة وضحاها إلي مجتمع يموج بالاضطراب ويعجّ بالاعتراضات ضدّ الخليفة. فکيف تبلورت هذه القضيّة؟ ومن أين نشأت تلک الاضطرابات والاحتجاجات الموجّهة ضدّ الخليفة؟ وممّا لا ريب فيه إنّ الناس الذين اجتمعوا في المدينة من مختلف الأمصار للتظلّم لدي الخليفة لم يکونوا يمثّلون فئة خاصّة ولا ولاية أو مدينة بعينها،

بل کانوا من مختلف بقاع العالم الإسلامي. فيا تري ما هي أسباب هذه الثورة؟ وکيف يُحاصَر خليفة المسلمين- الذي کانت له صلة قربي مع الرسول صلي الله عليه و آله- ولا يهبّ أحد لنجدته؟!

لقد طال الحصار ولم يأتِ أحد لمناصرته من خارج المدينة. وحتي استنجاده

[صفحه 274]

بمعاوية- الذي اتّخذ من قضيّة المطالبة بدمه ذريعة لتحقيق مآربه- بقي بلا طائل.

فمعاوية الذي جنّد في حرب صفّين جيشاً قوامه مائة ألف، لم يرسل ولا حتي الف رجل لنصرته. ولکن ياتُري لماذا لم يفعل ذلک؟

ومن السذاجة أن ينسب المرء حادثة بمثل هذه السعة إلي مجهول أو إلي تيّار عابر. فالتأمّل في التساؤلات المذکورة والغور في أعماق النصوص والمصادر من أجل العثور علي إجابات عنها ينتهي بالباحث في تاريخ الإسلام إلي الاهتداء إلي مسائل ونکات أعمق ممّا طرحه أصحاب الرؤي الساذجة وسعوا إلي إظهاره وکأنّه حقائق ثابتة.

ويمکن القول باختصار بأنّ ثورة المسلمين علي عثمان تعود في جذورها إلي أعمال عثمان والمحيطين به. ويمکن التنقيب في هذه المسألة بشکل أعمق.

فقد کان عثمان من أشراف مکّة، وکان أقرباؤه بنو اُميّة من ألدّ أعداء الإسلام. فقد کانوا من قادة رؤوس الکفر الذين حاربوا الإسلام، ولم يدخلوا فيه حتي رأوا سيفه مصلَتاً علي رؤوسهم، فاُرغموا علي الاستسلام أثناء فتح مکّة، واُطلقوا علي أساس الرأفة الإلهيّة؛ إذ عفا عنهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وصاروا يعرفون من بعد ذلک باسم «الطُّلَقاء». وهکذا فإنّهم لم تکن لهم وجاهة دينيّة، ولا مرکز اجتماعي.

وإذا ألقينا نظرة أکثر عمقاً علي سلوک عثمان نلاحظ ما يأتي:



صفحه 274.