حجّ عائشة في حصر عثمان











حجّ عائشة في حصر عثمان



1247- تاريخ المدينة عن يحيي بن سعيد الأنصاري: حدّثني عمّي- أو عمّ لي- قال: بينما أنا عند عائشة- وعثمان محصور، والناس مجهّزون للحجّ- إذ جاء مروان، فقال: يا اُمّ المؤمنين، إنّ أميرالمؤمنين يقرأ عليکِ السلام ورحمة اللَّه، ويقول: ردّي عنّي الناسَ؛ فإنّي فاعل وفاعل، فلم تُجِبه.

[صفحه 257]

فانصرف وهو يتمثّل ببيت الربيع بن زياد العبسي:


وحَرّقَ قَيسٌ عَليَّ البِلا
دَ حتي إذا اشتَعلتْ أجذما


فقالت: ردّوا عليّ هذا المتمثّل، فرددناه.

فقالت- وفي يدها غِرارة[1] لها تعالجها-: واللَّه، لوددتُ أنّ صاحبَک الذي جئتَ من عنده في غرارتي هذه، فأوکيتُ عليها، فألقيتُها في البحر[2] .

1248- تاريخ اليعقوبي: صار مروان إلي عائشة، فقال: يا اُمّ المؤمنين! لو قمتِ فأصلحتِ بين هذا الرجل وبين الناس!

قالت: قد فرغت من جهازي، وأنا اُريد الحجّ.

قال: فيدفع إليکِ بکلّ درهم أنفقتِه درهمين!

قالت: لعلّک تري أنّي في شکّ من صاحبک!! أما واللَّه لوددتُ أنّه مقطّع في غِرارة من غرائري، وأنّي اُطيق حمله، فأطرحه في البحر[3] .

1249- الفتوح: عزمت عائشة علي الحجّ، وکان بينها وبين عثمان قبل ذلک کلام؛ وذلک أنّه أخّر عنها بعض أرزاقها إلي وقت من الأوقات فغضبت، ثمّ قالت: يا عثمان! أکلتَ أمانتکَ، وضيّقتَ رعيّتکَ، وسلّطتَ عليهم الأشرار من أهل بيتک، لا سقاکَ اللَّه الماء من فوقِک، وحرمک البرکة من تحتِک! أما واللَّه لولا الصلوات الخمس لمشي إليک قوم ذو ثياب وبصائر، يذبحوک کما يُذبح الجمل.

[صفحه 258]

فقال لها عثمان: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ کَفَرُواْ امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ کَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَلِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيًْا وَ قِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّ خِلِينَ»[4] [5] .

1250- الفتوح- في ذکر خروج عائشة إلي الحجّ لمّا حوصر عثمان وأشرف علي القتل ومقالها فيه-:... ثمّ إنّها خرجت تريد مکّة، فلقيها ابن عبّاس، فقالت له: يابن عبّاس، إنّک قد اُوتيت عقلاً وبياناً، فإيّاک أن تردّ الناس عن قتل هذا الطاغي؛ عثمان؛ فإنّي أعلم أنّه سيشأم[6] قومه کما شأم أبو سفيان قومه يوم بدر[7] .

1251- تاريخ الطبري عن ابن عبّاس: قال لي عثمان: إنّي قد استعملت خالد بن العاص بن هشام علي مکّة، وقد بلغ أهل مکّة ما صنع الناس، فأنا خائف أن يمنعوه الموقف، فيأبي، فيقاتلهم في حرم اللَّه- جلّ وعزّ- وأمنه! وإنّ قوماً جاؤوا من کل فجٍّ عميق ليشهدوا منافع لهم، فرأيتُ أن اُولّيک أمر الموسم....

فخرج ابن عبّاس، فمرَّ بعائشة في الصُّلْصُل،[8] فقالت: يابن عبّاس! أنشدک اللَّه فإنّک قد اُعطيت لساناً إزعيلا[9] أن تخذّل عن هذا الرجل، وأن تشکّک فيه

[صفحه 259]

الناس؛ فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت، ورفعت لهم المنار، وتحلّبوا[10] من البلدان لأمر قد حُمّ. وقد رأيت طلحة بن عبيد اللَّه قد اتّخذ علي بيوت الأموال والخزائن مفاتيح، فإن يلِ يسرِ بسيرة ابن عمّه أبي بکر.

قال: قلت: يا اُمّه! لو حدث بالرجل حدثٌ ما فزع الناس إلّا إلي صاحبنا!! فقالت: إيهاً عنک! إنّي لست اُريد مکابَرتَک، ولا مجادلتک[11] .

1252- تاريخ الطبري عن عبيد بن عمرو القرشي: خرجت عائشةُ وعثمانُ محصورٌ، فقدم عليها مکّة رجل يقال له: أخضر، فقالت: ما صنع الناس؟

فقال: قتل عثمانُ المصريّين.

قالت: إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون! أيقتُل قوماً جاؤوا يطلبون الحقّ، وينکرون الظلم! واللَّه لا نرضي بهذا.

ثمّ قدم آخر، فقالت: ما صنع الناس؟

قال: قتل المصريّون عثمانَ.

قالت: العجب لأخضر؛ زعم أنّ المقتول هو القاتل! فکان يُضرب به المثل: «أکذبُ من أخضر»[12] .

1253- تاريخ اليعقوبي: کانت عائشة بمکّة،- خرجت قبل أن يُقتل عثمان- فلمّا قضت حجّها انصرفت راجعة، فلمّا صارت في بعض الطريق لقيها ابن اُمّ کلاب، فقالت له: ما فعل عثمان؟ قال: قُتل. قالت: بُعداً وسُحقاً! قالت: فمن

[صفحه 260]

بايع الناس؟ قال: طلحة. قالت: إيهاً ذو الإصبع.

ثمّ لقيها آخر، فقالت: ما فعل الناس؟ قال: بايعوا عليّاً.

قالت: واللَّه، ما کنتُ اُبالي أن تقع هذه علي هذه[13] .

1254- تاريخ الطبري عن أسد بن عبداللَّه عمّن أدرک من أهل العلم: إنّ عائشة لمّا انتهت إلي سَرِف[14] راجعةً في طريقها إلي مکّة- لقيها عبد بن اُمّ کلاب- وهو عبد بن أبي سلمة؛ ينسب إلي اُمّه- فقالت له: مَهْيَم؟[15] .

قال: قتلوا عثمان، فمکثوا ثمانياً.

قالت: ثمّ صنعوا ماذا؟

قال: أخذها أهل المدينة بالاجتماع، فجازت بهم الاُمور إلي خير مجاز، اجتمعوا علي عليّ بن أبي طالب.

فقالت: واللَّه، ليت أنّ هذه انطبقت علي هذه إن تمّ الأمر لصاحبک! ردّوني ردّوني. فانصرفت إلي مکّة وهي تقول: قُتل واللَّه عثمان مظلوماً، واللَّه لأطلبنّ بدمه. فقال لها ابن اُمّ کلاب: ولِمَ؟ فواللَّه إنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ! ولقد کنتِ تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد کفر!

[صفحه 261]

قالت: إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه، وقد قلتُ وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل.

فقال لها ابن اُمّ کلاب:


فمِنک البداءُ ومِنک الغير
ومنک الرياح ومِنکِ المَطرْ


وأنتِ أمرتِ بقَتلِ الإمام
وقُلتِ لَنا إنّه قَد کفَرْ


فهَبْنا أطعناکِ في قَتلهِ
وقاتِلُه عندنا مَن أمرْ[16] .



صفحه 257، 258، 259، 260، 261.





  1. الغِرارة: الجُوالق، [وهو وعاءٌ من الأوعية معروف] واحدة الغرائِر (لسان العرب: 18:5).
  2. تاريخ المدينة: 1172:4 وراجع أنساب الأشراف: 192:6 والطبقات الکبري: 36:5 وشرح نهج البلاغة: 7:3 والشافي: 241:4 وقرب الإسناد: 89:26.
  3. تاريخ اليعقوبي: 175:2 وراجع الإيضاح: 264.
  4. التحريم: 10.
  5. الفتوح: 421:2.
  6. شأمَ فلان أصحابَه: إذا أصابهم شُؤمٌ من قِبَلِه (لسان العرب: 315:12).
  7. الفتوح: 422:2، أنساب الأشراف: 193:6؛ الجمل: 149 عن محمّد بن إسحاق والمدائني وأبي حذيفة وفيهما إلي «الطاغي عثمان».
  8. الصُلْصُل: موضع علي سبعة أميال من المدينة. منزل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم خرج من المدينة إلي مکّة عام الفتح (تاج العروس: 410:15).
  9. إزعيل: نشيط (لسان العرب: 303:11).
  10. حَلَبَ القَومُ: اجتمعوا وتألّبوا من کلّ وجه (تاج العروس: 438:1).
  11. تاريخ الطبري: 407:4، شرح نهج البلاغة: 6:10 نحوه.
  12. تاريخ الطبري: 449:4.
  13. تاريخ اليعقوبي: 180:2؛ أنساب الأشراف: 18:3 عن أبي يوسف الأنصاري، شرح نهج البلاغة: 215:6 کلاهما نحوه.
  14. سَرِف: موضع علي ستّة أميال من مکّة، وقيل: سبعة، وتسعة، واثني عشر، تزوّج به رسول اللَّه صلي الله عليه و آله ميمونة بنت الحارث (معجم البلدان: 212:3).
  15. مَهْيَم: کلمة يمانيّة معناها: ما أمرک، وما هذا الذي أري بک، ونحو من هذا الکلام (لسان العرب: 565:12).
  16. تاريخ الطبري: 458:4، الکامل في التاريخ: 312:2، الإمامة والسياسة: 71:1 وفيه «فقال عبيد: عذرٌ واللَّه ضعيف يا اُمّ المؤمنين...» بعد «قولي الأوّل»، الفتوح: 437:2 وفيه «فقال لها عبيد بن اُمّ کلاب: هذا واللَّه التخليط يا اُمّ المؤمنين...» بعد «واللَّه لأطلبنّ بدمه» وکلاهما نحوه وراجع تذکرة الخواص: 69.