استنصار عثمان معاويةَ وخذلانه











استنصار عثمان معاويةَ وخذلانه



1232- تاريخ الطبري عن محمّد بن السائب الکلبي: لمّا رأي عثمان ما قد نزل به.وما قد انبعث عليه من الناس، کتب إلي معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنّ أهل المدينة قد کفروا، وأخلفوا الطاعة، ونکثوا البيعة، فابعث إليّ مَن قِبَلک من مقاتلة أهل الشام علي کلّ صعب وذلول.

فلمّا جاء معاويةَ الکتابُ تربّص به، وکره إظهار مخالفة أصحاب رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وقد علم اجتماعهم[1] .

1233- تاريخ الإسلام عن ابن الزبير وابن عبّاس: بعث عثمانُ المسوّرَ بن مخرمة إلي معاوية؛ يعلمه أنّه محصور، ويأمره أن يجهّز إليه جيشاً سريعاً.

فلمّا قَدِم علي معاوية، رکب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة وابن حديج، فساروا من دمشق إلي عثمان عشراً.

فدخل معاوية نصف الليل، وقبّل رأس عثمان، فقال: أين الجيش؟! قال: ما جئت إلّا في ثلاثة رهط.

فقال[2] عثمان: لا وصل اللَّه رحمک، ولا أعزّ نصرک، ولا جزاک خيراً، فوَاللَّه لا اُقتل إلّا فيک، ولا يُنقم عليّ إلّا من أجلک.

[صفحه 251]

فقال: بأبي أنت واُمّي، لو بعثتُ إليک جيشاً فسمعوا به عاجلوک، فقتلوک، ولکنّ معي نجائب، فاخرج معي، فما يشعر بي أحد، فوَاللَّه ما هي إلّا ثلاث حتي نري معالم الشام.

فقال: بئس ما أشرتَ به، وأبي أن يجيبه. فأسرع معاوية راجعاً.

وورد المسوّر- يريد المدينة- بذي المروة[3] راجعاً، وقدم علي عثمان وهو ذامّ لمعاوية غير عاذرٍ له، فلمّا کان في حصره الآخر، بعث المسوّر ثانياً إلي معاوية لينجده، فقال: إنّ عثمان أحسن فأحسن اللَّه به، ثمّ غيّر فغيّر اللَّه به، فشددت عليه.

فقال: ترکتم عثمان، حتي إذا کانت نفسه في حنجرته قلتم: اذهب؛ فادفع عنه الموت، وليس ذلک بيدي!! ثمّ أنزلني في مشربة علي رأسه، فما دخل عليَّ داخل حتي قُتل عثمان[4] .

1234- الفتوح- في ذکر استنصار عثمان عمّاله لما أيس من رعيّته-: خشي [عثمان] أن يعاجله القوم فيُقتل، فکتب إلي عبداللَّه بن عامر بن کريز- وهو الأمير بالبصرة- وإلي معاوية بن أبي سفيان- وهو أميرالشام بأجمعها- فکتب إليهم عثمان نسخة واحدة:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنّ أهل البغي والسفه والجهل والعدوان- من أهل الکوفة وأهل مصر وأهل المدينة- قد أحاطوا بداري، ولم يُرضِهم شي ء دون قتلي، أو خلعي سربالاً سربلنيه ربّي! ألا وإنّي ملاقٍ ربّي،

[صفحه 252]

فأعنّي برجال ذوي نجدة ورأي، فلعلّ ربّي يدفع بهم عنّي بغي هؤلاء الظالمين الباغين عليَّ، والسلام.

قال: وأمّا معاوية فإنّه أتاه بالکتاب المسوّر بن مخرمة، فقرأه لمّا أتاه، ثمّ قال: يا معاوية، إنّ عثمان مقتول، فانظر فيما کتبت به إليه. فقال معاوية: يامسوّر، إنّي مصرّح أنّ عثمان بدأ فعمل بما يحبّ اللَّه ويرضاه، ثمّ غيّر فغيّر اللَّه عليه، أفيتهيأ لي أن أردّ ما غيّر اللَّه عزَّوجلّ؟![5] .

1235- تاريخ اليعقوبي: کتب [عثمان] إلي معاوية يسأل تعجيل القدوم عليه، فتوجّه إليه في اثني عشر ألفاً، ثمّ قال: کونوا بمکانکم في أوائل الشام حتي آتي أميرالمؤمنين؛ لأعرف صحّة أمره.

فأتي عثمانَ، فسأله عن المدّة، فقال: قد قدمت لأعرف رأيک، وأعود إليهم فأجيؤک بهم.

قال: لا واللَّه، ولکنّک أردتَ أن اُقتل فتقول: أنا وليّ الثأر؛ ارجع، فجئني بالناس! فرجع، فلم يعُد إليه حتي قُتل[6] .

1236- تاريخ المدينة عن جعفر بن سليمان الضبعي: حدّثنا جويرية قال: أرسل عثمان إلي معاوية يستمدّه، فبعث معاويةُ يزيدَ بن أسد- جدّ خالد القسري- وقال له: إذا أتيتَ ذا خُشُب[7] فأقِم بها، ولا تتجاوزها، ولا تقُل: الشاهد يري ما لا يري الغائب. قال: أنا الشاهد، وأنت الغائب.

[صفحه 253]

فأقام بذي خُشُب، حتي قُتل عثمان، فقلت لجويرية: لِمَ صنع هذا؟ قال: صنعه عمداً؛ ليُقتل عثمان، فيدعو إلي نفسه[8] .

1237- تاريخ المدينة عن غسّان بن عبد الحميد: قدم المسوّر بن مخرمة علي معاوية، فدخل عليه وعنده أهل الشام، فقال معاوية: يا أهل الشام هذا من قَتَلة عثمان، فقال المسوّر: إنّي واللَّه ما قتلت عثمان، ولکن قتله سيرة أبي بکر وعمر، وکتب يستمدّک بالجند فحبستهم عنه حتي قُتل، وهم بالزَّرقاء[9] [10] .

1238- الإمامة والسياسة- في کتاب أبي أيّوب إلي معاوية-: فما نحن وقتلة عثمان! إنّ الذي تربّص بعثمان وثبّط أهل الشام عن نصرته لأنت، وإنّ الذين قتلوه غير الأنصار[11] .

1239- سير أعلام النبلاء عن جويرية بن أسماء: إنّ عمرو بن العاص قال لابن عبّاس: يا بني هاشم! لقد تقلّدتم بقتل عثمان فرم[12] الإماء العَوارِک،[13] أطعتم فُسّاق العراق في عيبه، وأجزرتموه مرّاق أهل مصر، وآويتم قَتَلتَه.

فقال ابن عبّاس: إنّما تکلّم لمعاوية، إنّما تکلّم عن رأيک، وإنّ أحقّ الناس ألّا يتکلّم في أمر عثمان لأنتما! أمّا أنت يا معاوية، فزيّنت له ما کان يصنع، حتي إذا

[صفحه 254]

حُصر طلب نصرک، فأبطأت عنه، وأحببت قتله، وتربّصت به. وأمّا أنت يا عمرو، فأضرمت عليه المدينة، وهربت إلي فلسطين تسأل عن أنبائه، فلمّا أتاک قتله، أضافتک عداوة عليّ أن لحقت بمعاوية، فبعت دينک بمصر.

فقال معاوية: حسبک، عرّضني لک عمرو، وعرّض نفسه[14] .

1240- تاريخ الخلفاء عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الصحابي: إنّه دخل علي معاوية، فقال له معاوية: ألستَ من قَتَلَةِ عثمان؟ قال: لا، ولکن ممّن حضره فلم ينصره. قال: وما منعک من نصره؟ قال: لم تنصره المهاجرون والأنصار. فقال معاوية: أما لقد کان حقّه واجباً عليهم أن ينصروه! قال: فما منعک يا أميرالمؤمنين من نصره ومعک أهل الشام؟! فقال معاوية: أما طَلبي بِدَمه نصرةٌ له؟!! فضحک أبو الطفيل، ثمّ قال: أنت وعثمان کما قال الشاعر:


لا ألفِيَنَّکَ بعد الموتِ تَنْدُبُني
وفي حياتيَ ما زَوَّدْتَني زادا[15] .

1241- أنساب الأشراف: قال عمرو [بن العاص لمعاوية]: إنّ أحقّ الناس أن لايذکر عثمان لأنا وأنت؛ أمّا أنا فترکته عياناً وهربت إلي فلسطين، وأمّا أنت فخذلتَه ومعک أهل الشام، حتي استغاث بيزيد بن أسد البجلي، فسار إليه[16] .186:2- الفتوح عن معاوية: لقد ندمت عن قعودي عن عثمان، وقد استغاث بي فلم اُجِبه[17] .

[صفحه 255]

1243- شرح نهج البلاغة- في کتاب ابن عبّاس إلي معاوية-: اُقسِم باللَّه لأنتَ المتربّص بقتله، والمحبّ لهلاکه، والحابس الناسَ قِبَلک عنه، علي بصيرة من أمره؛ ولقد أتاک کتابُه وصَريخُه يستغيث بک ويستصرخ فما حَفَلْتَ[18] به، حتي بعثتَ إليه معذراً بأجرة،[19] أنت تعلم أنّهم لن يترکوه حتي يُقتَل، فقُتِل کما کنتَ أردت، ثمّ علمتَ عند ذلک أنّ الناس لن يعدلوا بيننا وبينک، فطفقْت تنعي عثمان وتُلزمنا دمَه، وتقول: «قُتل مظلوماً»، فإن يکُ قُتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين.

ثمّ لم تزَل مصوِّباً ومصعِّداً،[20] وجاثماً ورابضاً،[21] تَستغوي الجهّال، وتنازعنا حقّنا بالسفهاء، حتي أدرکتَ ما طلبت، «وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ و فِتْنَةٌ لَّکُمْ وَ مَتَعٌ إِلَي حِينٍ»[22] [23] .

1244- الإمام عليّ عليه السلام- من کتاب له في جواب معاوية-: ثمّ ذکرت ما کان من أمري وأمر عثمان، فلک أن تجاب عن هذه؛ لرحمک منه، فأيّنا کان أعدي له، وأهدي إلي مقاتله! أمَن بذل له نصرتَه فاستقعده واستکفّه، أم من استنصره فتراخي عنه، وبثّ المنون إليه حتي أتي قدره عليه؟! کلّا واللَّه، لقد يعلم اللَّه

[صفحه 256]

المعَوّقين منکم والقائلين لإخوانهم هلُمّ إلينا ولا يأتون البأس إلّا قليلاً[24] .

وما کنت لأعتذر من أنّي کنت أنقم عليه أحداثاً، فإن کان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له، فربّ ملومٍ لا ذنب له، وقد يستفيد الظنّة المتنصّحُ. وما أردت إلّا الإصلاح ما استطعتُ، وما توفيقي إلّا باللَّه، عليه توکّلت وإليه اُنيب[25] [26] .

1245- عنه عليه السلام- في کتابه إلي معاوية-: فوَاللَّه ما قتل ابن عمّک غيرَک، وإنّي أرجو أن اُلحقک به علي مثل ذنبه، وأعظم من خطيئته[27] .414:125:33- عنه عليه السلام- في کتابه إلي معاوية-: أمّا إکثارک الحجّاج علي عثمان وقَتَلته؛ فإنّک إنّما نصرتَ عثمان حيث کان النصر لک، وخذلتَه حيث کان النصر له، والسلام[28] .



صفحه 251، 252، 253، 254، 255، 256.





  1. تاريخ الطبري: 368:4 وراجع الکامل في التاريخ: 288:2.
  2. في المصدر: «فقط» بدل «فقال»، وهو تصحيف؛ انظر: تاريخ دمشق: 377:39.
  3. ذو المروة: قرية بوادي القُري، وقيل: بين خشب ووادي القري (معجم البلدان: 116:5).
  4. تاريخ الإسلام للذهبي: 450:3، تاريخ دمشق: 377:39 نحوه.
  5. الفتوح: 416:2.
  6. تاريخ اليعقوبي: 175:2.
  7. خُشُب- بضمّ أوّله وثانيه-: وادٍ علي مسيرة ليلة من المدينة (معجم البلدان: 372:2).
  8. تاريخ المدينة: 1288:4، شرح نهج البلاغة: 154:16؛ بحارالأنوار: 98:33.
  9. الزَّرقاء: موضع بالشام بناحية معان (معجم البلدان: 137:3).
  10. تاريخ المدينة: 1289:4.
  11. الإمامة والسياسة: 130:1، شرح نهج البلاغة: 44:8؛ وقعة صفين: 368.
  12. الفَرْم والفِرام: ما تتضيّق به المرأة من دواء، ومَرَة فرماء ومستفرِمة: وهي التي تجعل الدواء في فرجها ليضيق (لسان العرب: 451:12).
  13. العرَکيَّة: المرأة الفاجرة (لسان العرب: 466:10).
  14. سير أعلام النبلاء: 15:73:3، أنساب الأشراف: 103:5، تاريخ الإسلام للذهبي: 94:4.
  15. تاريخ الخلفاء: 239، الاستيعاب: 3084:260:4، اُسد الغابة: 6035:177:6 کلاهما نحوه.
  16. أنساب الأشراف: 74:3، الإمامة والسياسة: 118:1؛ تاريخ اليعقوبي: 1242.
  17. الفتوح: 446:2.
  18. ما حَفَله، وما حَفَلَ به، وما احتَفَلَ به: أي ما بالَي، والحَفْل: المبالاة (لسان العرب: 159:11).
  19. في بحارالأنوار: «بأخرة». وقال الجوهري: جاء فلان بأخَرَةٍ: أي أخيراً (الصحاح: 577:2).
  20. التصويب: خلاف التصعيد، وصَوَّب رأسه: خفضه (لسان العرب: 534:1). وفي الحديث «فصعَّد فيَّ النظر وصَوَّبه»: أي نظر إلي أعلاي وأسفلي يتأمّلني (النهاية: 30:3).
  21. جثم الانسان والطائر يَجثِم جَثَماً وجُثوماً فهو جاثِم: لزمَ مکانَه فلم يبرح. وربضَ بالمکان يَربِض: إذا لصِق به وأقام ملازماً له (لسان العرب: 82:12 و ج 151:7).
  22. الأنبياء: 11.
  23. شرح نهج البلاغة: 155:16؛ بحارالأنوار: 99:33.
  24. إشارة إلي الآية 18 من سورة الأحزاب.
  25. إشارة إلي الآية 88 من سورة هود.
  26. نهج البلاغة: الکتاب 28، الاحتجاج: 90:424:1؛ نهاية الأرب: 236:7، صبح الأعشي: 230:1.
  27. العقد الفريد: 330:3، شرح نهج البلاغة: 84:15 نحوه؛ بحارالأنوار: 1246.
  28. نهج البلاغة: الکتاب 37، الاحتجاج: 92:428:1.