الحصر الثاني











الحصر الثاني



1224- الشافي عن ابن أبي جعفر القاري مولي بني مخزوم: کان المصريّون الذين

[صفحه 245]

حصروا عثمان ستّمائة، عليهم: عبد الرحمن بن عديس البلوي، وکنانة بن بشر الکندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي.

والذين قدموا من الکوفة مائتين، عليهم: مالک بن الحارث الأشتر النخعي. والذين قدموا من البصرة مائة رجل، رئيسهم: حکيم بن جبلة العبدي.

وکان أصحاب النبيّ صلي الله عليه و آله الذين خذلوه لا يرون أنّ الأمر يبلغ بهم إلي القتل، ولعمري لو قام بعضهم فحثا التراب في وجوه اُولئک لانصرفوا[1] .

1225- تاريخ الطبري عن عبداللَّه بن الزبير عن أبيه: کتب أهل مصر بالسُّقْيا[2] أو بذي خشب- إلي عثمان بکتاب، فجاء به رجل منهم حتي دخل به عليه، فلم يردّ عليه شيئاً، فأمر به فاُخرج من الدار.

وکان أهل مصر الذين ساروا إلي عثمان ستّمائة رجل علي أربعة ألوية لها رؤوس أربعة، مع کلّ رجل منهم لواء.

وکان جماع أمرهم جميعاً إلي عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي- وکان من أصحاب النبيّ صلي الله عليه و آله- وإلي عبد الرحمن بن عديس التجيبي.

فکان فيما کتبوا إليه:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم: أمّا بعد، فاعلم أنّ اللَّه لا يغيّر ما بقوم حتي يغيّروا ما بأنفسهم، فاللَّهَ اللَّهَ! ثمّ اللَّهَ اللَّهَ! فإنّک علي دنيا فاستتمّ إليها معها آخرة، ولا تُلبس نصيبک من الآخرة، فلا تسوغ لک الدنيا.

[صفحه 246]

واعلم أنّا واللَّه للَّه نغضب، وفي اللَّه نرضي، وإنّا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتي تأتينا منک توبة مصرّحة، أو ضلالة مجلّحة مبلجة، فهذه مقالتنا لک، وقضيّتنا إليک، واللَّه عذيرنا منک. والسلام[3] .369:4- تاريخ اليعقوبي: حصر ابنُ عديس البلوي عثمان في داره، فناشدهم اللَّهَ، ثمّ نشد مفاتيح الخزائن، فأتوا بها إلي طلحة بن عبيد اللَّه، وعثمان محصور في داره، وکان أکثر من يؤلّب عليه طلحة والزبير وعائشة[4] .

1227- الإمامة والسياسة: أقبل الأشتر النخعي من الکوفة في ألف رجل، وأقبل ابن أبي حذيفة من مصر في أربعمائة رجل، فأقام أهل الکوفة وأهل مصر بباب عثمان ليلاً ونهاراً، وطلحة يحرّض الفريقين جميعاً علي عثمان.

ثمّ إنّ طلحة قال لهم: إنّ عثمان لا يبالي ما حصرتموه وهو يدخل إليه الطعام والشراب، فامنعوه الماء أن يدخل عليه[5] .56:1- تاريخ الطبري عن عبداللَّه بن عيّاش بن أبي ربيعة: دخلت علي عثمان، فتحدّثت عنده ساعة، فقال: يابن عيّاش! تعالَ، فأخذ بيدي، فأسمعني کلام من علي باب عثمان، فسمعنا کلاماً، منهم من يقول: ما تنتظرون به؟ ومنهم من يقول: انظروا عسي أن يراجع.

فبينا أنا وهو واقفان، إذ مرّ طلحة بن عبيد اللَّه، فوقف فقال: أين ابن عديس؟ فقيل: ها هو ذا. فجاءه ابن عديس، فناجاه بشي ء، ثمّ رجع ابن عديس، فقال

[صفحه 247]

لأصحابه: لا تترکوا أحداً يدخل علي هذا الرجل، ولا يخرج من عنده.

قال: فقال لي عثمان: هذا ما أمر به طلحة بن عبيد اللَّه! ثمّ قال عثمان: اللهمّ اکفني طلحةَ بن عبيد اللَّه؛ فإنّه حمل عليَّ هؤلاء، وألّبهم،[6] واللَّه إنّي لأرجو أن يکون منها صفراً،[7] وأن يُسفک دمه؛ إنّه انتهک منّي ما لا يحلّ له[8] .

1229- الفتوح: کان طلحة بن عبيد اللَّه قد استولي علي حصار عثمان مع نفر من بني تيم، وبلغ ذلک عثمان، فأرسل إلي عليّ بهذا البيت:


فإن کنتُ مأکولاً فکُن أنتَ آکلي
وإلّا فأدرِکني ولَمّا اُمزّقُ


أ ترضي أن يقتل ابن عمّک وابن عمّتک، ويسلب نعمتک وأمرک؟! فقال عليّ رضي الله عنه: صدق واللَّه عثمان! لا واللَّه، لا نترک ابن الحضرميّة يأکلها.

ثم خرج عليّ إلي الناس، فصلّي بهم الظهر والعصر، وتفرّق الناس عن طلحة، ومالوا إلي عليّ. فلمّا رأي طلحة ذلک، أقبل حتي دخل علي عثمان، فاعتذر إليه ممّا کان منه. فقال له عثمان: يابن الحضرميّة! وليت علي الناس، ودعوتَهم إلي قتلي، حتي إذا فاتک ما کنتَ ترجو، وعلاک عليّ رضي الله عنه علي الأمر، جئتني معتذراً!!

لا قبل اللَّه ممّن قبل منک[9] .

1230- تاريخ الطبري عن محمّد بن مسلمة- في ذکر اجتماع المصريين عند عثمان-: تکلّم القوم، وقد قدّموا في کلامهم ابن عديس، فذکر ما صنع ابن سعد

[صفحه 248]

بمصر، وذکر تحاملاً منه علي المسلمين وأهل الذمّة، وذکر استئثاراً منه في غنائم المسلمين، فإذا قيل له في ذلک، قال: هذا کتاب أميرالمؤمنين إليّ. ثمّ ذکروا أشياء ممّا أحدث بالمدينة، وما خالف به صاحبيه.

قال: فرحلنا من مصر ونحن لا نريد إلّا دمک، أو تنزع، فردّنا عليٌّ ومحمّد بن مسلمة، وضمن لنا محمّد النزوع عن کلّ ما تکلّمنا فيه...

ثمّ رجعنا إلي بلادنا نستظهر باللَّه عزّوجلّ عليک، ويکون حجّة لنا بعد حجّة، حتي إذا کنّا بالبويب أخذنا غلامک، فأخذنا کتابک وخاتمک إلي عبداللَّه بن سعد، تأمره فيه بجلد ظهورنا، والمثل بنا في أشعارنا، وطول الحبس لنا!! وهذا کتابک.

قال: فحمد اللَّه- عثمان- وأثني عليه، ثمّ قال: واللَّه، ما کتبت، ولا أمرت، ولا شَوّرت،[10] ولا علمت.

فقلت وعليٌّ جميعاً: قد صدق. فاستراح إليها عثمان.

فقال المصريّون: فمن کتبه؟!

قال: لا أدري.

قال: أفيُجترأ عليک؛ فيُبعث غلامُک، وجمل من صدقات المسلمين، ويُنقش علي خاتمک، ويُکتب إلي عاملک بهذه الاُمور العظام، وأنتَ لا تعلم!!

قال: نعم.

قالوا: فليس مثلک يلي؛ اخلع نفسک من هذا الأمر کما خلعک اللَّه منه.

[صفحه 249]

قال: لاأنزع قميصاً ألبسنيه اللَّه عزّوجلّ.

قال: وکثرت الأصوات واللغط، فما کنت أظنّ أنّهم يخرجون حتي يواثبوه.

وقام عليٌّ فخرج. قال: فلمّا قام عليٌّ قمتُ، قال: وقال للمصريين: اخرجوا.فخرجوا.قال: ورجعت إلي منزلي، ورجع عليٌّ إلي منزله، فما برحوا محاصريه حتي قتلوه[11] .

1231- تاريخ الطبري عن سفيان بن أبي العوجاء: قال عثمان [للمصريّين]:... أمّا قولکم: تخلع نفسک؛ فلا أنزع قميصاً قمّصنيه اللَّهُ عزّوجلّ، وأکرمني به، وخصّني به علي غيري، ولکنّي أتوب، وأنزع، ولا أعود لشي ء عابَه المسلمون، فإنّي واللَّه الفقيرُ إلي اللَّه، الخائف منه!

قالوا: إنّ هذا لو کان أوّل حَدَث أحدثتَه ثمّ تبتَ منه ولم تقُم عليه لکان علينا أن نقبل منک، وأن ننصرف عنک، ولکنّه قد کان منک من الإحداث قبل هذا ما قد علمت، ولقد انصرفنا عنک في المرّة الاُولي وما نخشي أن تکتب فينا، ولا من اعتللت به بما وجدنا في کتابک مع غلامک. وکيف نقبل توبتک وقد بلونا منک أنّک لا تُعطي من نفسک التوبة من ذنب إلّا عدت إليه!! فلسنا منصرفين حتي نعزلک، ونستبدل بک، فإن حال من معک من قومک وذوي رحمک وأهل الانقطاع إليک دونک بقتال قاتلناهم، حتي نخلص إليک فنقتلک، أو تلحق أرواحنا باللَّه[12] .

[صفحه 250]



صفحه 245، 246، 247، 248، 249، 250.





  1. الشافي: 262:4؛ الطبقات الکبري: 71:3، أنساب الأشراف: 219:6، تاريخ الإسلام للذهبي: 447:3، تاريخ دمشق: 360:39، شرح نهج البلاغة: 27:3 کلّها عن أبي جعفر القاري.
  2. قرية جامعة من عمل الفُرْع، بينهما ممّا يلي الجحفة تسعة عشر ميلاً (معجم البلدان: 228:3).
  3. تاريخ الطبري: 1226.
  4. تاريخ اليعقوبي: 175:2.
  5. الإمامة والسياسة: 1228.
  6. ألّبَهم: جَمَعهم (لسان العرب: 215:1).
  7. الصِّفْر والصَّفْر والصُّفْر: الشي ء الخالي (لسان العرب: 461:4).
  8. تاريخ الطبري: 378:4، الکامل في التاريخ: 291:2 وفيه «عبّاس» بدل «عيّاش».
  9. الفتوح: 423:2.
  10. أشار إليه وشَوَّر: أومَأ وفي الحديث: کان يشير في الصلاة؛ أي يومئ باليد والرأس؛ أي يأمر وينهي بالإشارة (لسان العرب: 436:4 و437).
  11. تاريخ الطبري: 374:4، الکامل في التاريخ: 288:2 نحوه.
  12. تاريخ الطبري: 376:4.