آخر ما أدّي إلي قتل عثمان











آخر ما أدّي إلي قتل عثمان



1219- الفتوح: أرسل عثمان إلي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فدعاه فقال: يا أبا الحسن! أنت لهؤلاء القوم، فادعوهم إلي کتاب اللَّه عزّوجلّ وسنّة نبيّه واکفني ممّا يکرهون.

فقال له عليّ: إن أعطيتني عهد اللَّه وميثاقه أنّک توفي لهم بکلّ ما اُعطيهم فعلت ذلک.

فقال عثمان: نعم يا أبا الحسن، اضمَن لهم عنّي جميع ما يريدون.

قال: فأخذ عليّ عليه عهداً غليظاً وميثاقاً مؤکّداً، ثمّ خرج من عنده فأقبل نحو القوم، فلمّا دنا منهم قالوا: ما وراءک يا أبا الحسن فإنّنا نُجلّک؟

[صفحه 239]

فقال: إنّکم تُعطَون ما تريدون، وتُعافَون من کلّ ما أسخطکم، ويولّي عليکم من تُحبّون، ويُعزل عنکم من تکرهون.

فقالوا: ومن يضمن لنا ذلک؟

قال عليّ: أنا أضمن لکم ذلک.

فقالوا: رضينا.

قال: فأقبل عليّ إلي عثمان ومعه وجوه القوم وأشرافهم، فلمّا دخلوا عاتبوه فأعتبهم من کلّ ما کرهوا.

فقالوا: اکتب لنا بذلک کتاباً، وأدخل لنا في هذا الضمان عليّاً بالوفاء لنا بما في کتابنا.

فقال عثمان: اکتبوا ما أحببتم وأدخلوا في هذا الضمان من أردتم.

قال: فکتبوا:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا کتاب من عبداللَّه عثمان بن عفّان أميرالمؤمنين لجميع من نقم عليه من أهل البصرة والکوفة وأهل مصر: أنّ لکم عليَّ أن أعمل فيکم بکتاب اللَّه عزّوجلّ وسنّة نبيّه محمّد صلي الله عليه و آله، وأنّ المحروم يُعطي، والخائف يؤمن، والمنفي يردّ، وأنّ المال يردّ علي أهل الحقوق، وأن يُعزل عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح عن أهل مصر، ويولّي عليهم من يرضون.

قال: فقال أهل مصر: نُريد أن تولّي علينا محمّد بن أبي بکر.

فقال عثمان: لکم ذلک.

ثمّ أثبتوا في الکتاب:

[صفحه 240]

وأنّ عليّ بن أبي طالب ضمين للمؤمنين بالوفاء لهم بما في هذا الکتاب، شهد علي ذلک: الزبير بن العوّام، وطلحة بن عبيد اللَّه، وسعد بن أبي وقّاص، وعبداللَّه بن عمر، وزيد بن ثابت، وسهل بن حنيف، وأبو أيّوب خالد بن زيد. وکُتب في ذي الحجّة سنة خمس وثلاثين.

قال: فأخذ أهل مصر کتابهم وانصرفوا، ومعهم محمّد بن أبي بکر أميراً عليهم، حتي إذا کانوا علي مسيرة ثلاثة أيّام من المدينة وإذا هم بغلام أسود علي بعير له يخبط خبطاً عنيفاً.

فقالوا: يا هذا! اربع قليلاً ما شأنک؟ کأنّک هارب أو طالب، من أنت؟

فقال: أنا غلام أميرالمؤمنين عثمان وجّهني إلي عامل مصر.

فقال له رجل منهم: يا هذا! فإنّ عامل مصر معنا.

فقال: ليس هذا الذي اُريد.

فقال محمّد بن أبي بکر: أنزلوه عن البعير، فحطّوه، فقال له محمّد بن أبي بکر: أصدِقني غلام من أنت؟

قال: أنا غلام أميرالمؤمنين.

قال: فإلي من اُرسلت؟

قال: إلي عبداللَّه بن سعد عامل مصر.

قال: وبماذا اُرسلت؟

قال: برسالة.

قال محمّد بن أبي بکر: أفمعک کتاب؟

[صفحه 241]

قال: لا.

فقال أهل مصر: لو فتّشناه أيّها الأمير؛ فإنّنا نخاف أن يکون صاحبه قد کتب فينا بشي ء، ففتّشوا رحله ومتاعه ونزعوا ثيابه حتي عرّوه فلم يجدوا معه شيئاً، وکانت علي راحلته إداوة[1] فيها ماء، فحرّکوها فإذا فيها شي ء يتقلقل، فحرّکوه ليخرج فلم يخرج.

فقال کنانة بن بشر التجيبي: واللَّه! إنّ نفسي لتحدّثني أنّ في هذه الإداوة کتاباً.

فقال أصحابه: ويحک! ويکون کتاب في ماء؟

قال: إنّ الناس لهم حِيَل، فشقّوا الإداوة فإذا فيها قارورة مختومة بشمع، وفي جوف القارورة کتاب، فکسروا القارورة وأخرجوا الکتاب، فقرأه محمّد بن أبي بکر فإذا فيه:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من عبداللَّه عثمان أميرالمؤمنين إلي عبداللَّه بن سعد، أمّا بعد، فإذا قدم عليک عمرو بن يزيد بن ورقاء فاضرب عنقه صبراً، وأمّا علقمة بن عديس البلوي، وکنانة بن بشر التجيبي، وعروة بن سهم الليثي، فاقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ودعهم يتشحّطون في دمائهم حتي يموتوا، فإذا ماتوا فاصلبهم علي جذوع النخل، وأمّا محمّد بن أبي بکر فلا يقبل منه کتابه وشدّ يدک به، واحتَل في قتله، وقرّ علي عملک حتي يأتيک أمري إن شاء اللَّه تعالي.

فلمّا قرأ محمّد بن أبي بکر الکتاب رجع إلي المدينة هو ومن معه، ثمّ جمع أصحاب النبيّ صلي الله عليه و آله وقرأ عليهم الکتاب وأخبرهم بقصّة الکتاب.

[صفحه 242]

فلم يبقَ بالمدينة أحد إلّا حنق علي عثمان، واشتدّ حنق بني هذيل خاصّة عليه لأجل صاحبهم عبداللَّه بن مسعود، وهاجت بنو مخزوم لأجل صاحبهم عمّار بن ياسر، وکذلک غفّار لأجل صاحبهم أبي ذرّ.

ثمّ إنّ عليّاً أخذ الکتاب وأقبل حتي دخل علي عثمان، فقال له: ويحک! لا أدري علي ماذا أنزل! استعتبک القوم فأعتبتهم بزعمک وضمنتني ثمّ أحقرتني، وکتبت فيهم هذا الکتاب!

فنظر عثمان في الکتاب ثمّ قال: ما أعرف شيئاً من هذا!!

فقال عليّ: الغلام غلامک أم لا؟

قال عثمان: بل هو واللَّه غلامي، والبعير بعيري، وهذا الخاتم خاتمي، والخطّ خطّ کاتبي.

قال عليّ رضي الله عنه: فيخرج غلامک علي بعيرک بکتاب وأنت لا تعلم به؟

فقال عثمان: حيّرتک يا أبا الحسن! وقد يشبه الخطّ الخطّ وقد تختم علي الخاتم، ولا واللَّه ما کتبت هذا الکتاب، ولا أمرت به، ولا وجّهت هذا الغلام إلي مصر.

فقال عليّ: لا عليک، فمن نتّهم؟ قال: أتّهمک وأتّهم کاتبي!

قال عليّ: بل هو فعلک وأمرک. ثمّ خرج من عنده مغضباً[2] .

1220- تاريخ المدينة عن هارون بن عنترة عن أبيه: لمّا کان من أمر عثمان ما

[صفحه 243]

کان، قدم قوم من مصر معهم صحيفة صغيرة الطيّ، فأتوا عليّاً رضي الله عنه فقالوا: إنّ هذا الرجل قد غيّر وبدّل، ولم يسِر مسيرة صاحبيه، وکتب هذا الکتاب إلي عامله بمصر: أن خذ مال فلان، واقتل فلاناً، وسيّر فلاناً.

فأخذ عليّ الصحيفة فأدخلها علي عثمان، فقال: أتعرف هذا الکتاب؟

فقال: إنّي لأعرف الخاتم.

فقال: اکسرها فکسرها. فلمّا قرأها قال: لعن اللَّه من کتبه ومن أملاه.

فقال له عليّ رضي الله عنه: أتتّهم أحداً من أهل بيتک؟ قال: نعم.

قال: من تتّهم؟ قال: أنت أوّل من أتّهم!

قال: فغضب عليّ رضي الله عنه فقام وقال: واللَّه لا اُعينک ولا اُعين عليک حتي ألتقي أنا وأنت عند ربّ العالمين[3] .1221- مروج الذهب- بعد ذکر حلّ اختلاف المصريّين مع عثمان وانصرافهم-: فلمّا صاروا إلي الموضع المعروف بحِسمي،[4] إذا هم بغلام علي بعير وهو مُقْبل من المدينة، فتأمّلوه فإذا هو ورش غلام عثمان، فقرّروه فأقرّ وأظهر کتاباً إلي ابن أبي سرح صاحب مصر وفيه: إذا قدم عليک الجيش فاقطع يد فلان، واقتل فلاناً، وافعل بفلان کذا، وأحصي أکثر من في الجيش، وأمر فيهم بما أمر.

وعلم القوم أنّ الکتاب بخطّ مروان، فرجعوا إلي المدينة، واتّفق رأيهم ورأي من قدم من العراق، ونزلوا المسجد وتکلّموا، وذکروا ما نزل بهم من عمّالهم،

[صفحه 244]

ورجعوا إلي عثمان فحاصروه في داره[5] .

1222- الطبقات الکبري عن جابر بن عبداللَّه: إنّ المصريّين... رجعوا فلمّا کانوا بالبويب[6] رأوا جملاً عليه ميسم الصدقة فأخذوه، فإذا غلام لعثمان فأخذوا متاعه ففتّشوه، فوجدوا فيه قصبة من رصاص فيها کتاب في جوف الإداوة[7] في الماء إلي عبداللَّه بن سعد: أن افعل بفلان کذا وبفلان کذا من القوم الذين شرعوا في عثمان.

فرجع القوم ثانية حتي نزلوا بذي خشب، فأرسل عثمان إلي محمّد بن مسلمة فقال: اُخرج فارددهم عنّي.

فقال: لا أفعل.

فقدموا فحصروا عثمان[8] .

1223- سير أعلام النبلاء: کان [مروان بن الحکم] کاتب ابن عمّه عثمان، وإليه الخاتم، فخانه، وأجلبوا بسببه علي عثمان[9] .



صفحه 239، 240، 241، 242، 243، 244.





  1. الإدواة: إناء صغير من جلد يُتّخذ للماء (النهاية: 33:1).
  2. الفتوح: 410:2؛ الأمالي للطوسي: 1517:712 عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري نحوه وراجع تاريخ المدينة: 1158:4 تا 1160 والإمامة والسياسة: 55:1 والجمل: 139 تا 141.
  3. تاريخ المدينة: 1154:4 و1155 عن محمّد بن سعد و ص 1168 عن نوفل بن مساحق، شرح نهج البلاغة: 22:3 کلّها نحوه.
  4. هو أرض ببادية الشام (معجم البلدان: 258:2).
  5. مروج الذهب: 353:2 وراجع تاريخ اليعقوبي: 175:2.
  6. البُوَيْب: هو مدخل أهل الحجاز إلي مصر (معجم البلدان: 512:1).
  7. في المصدر «الإدارة»، وما أثبتناه عن تاريخ الإسلام للذهبي وأنساب الأشراف وهو الصحيح.
  8. الطبقات الکبري: 65:3، تاريخ دمشق: 323:39، تاريخ الإسلام للذهبي: 441:3 و442، أنساب الأشراف: 182:6 و183 و ص 177 والثلاثة الأخيرة نحوه.
  9. سير أعلام النبلاء: 102:477:3.