نقض التوبة والمعاهدة











نقض التوبة والمعاهدة



1215- تاريخ الطبري عن عليّ بن عمر عن أبيه- في ذکر عثمان بعد أن خطب الخطبة التي أعلن فيها توبته-: فلمّا نزل عثمان وجد في منزله مروان وسعيداً ونفراً من بني اُميّة، ولم يکونوا شهدوا الخطبة، فلمّا جلس قال مروان: يا أميرالمؤمنين أتکلّم أم أصمت؟ فقالت نائلة بنت الفرافصة- امرأة عثمان الکلبيّة-: لا بل اصمت؛ فإنّهم واللَّه قاتلوه ومؤثّموه، إنّه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها....

فأعرض عنها مروان ثمّ قال: يا أميرالمؤمنين أتکلّم أم أصمت؟ قال: بل تکلّم. فقال مروان: بأبي أنت وأمّي، واللَّه لوددت أنّ مقالتک هذه کانت وأنت ممتنع منيع فکنت أوّل من رضي بها وأعان عليها، ولکنّک قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطُّبْيَين، وخَلَّف السيل الزبي،[1] وحين أعطي الخطّة الذليلةَ الذليلُ، واللَّه لإقامة علي خطيئة تستغفر اللَّه منها أجمل من توبة تخوّف عليها، وإنّک إن شئت تقرّبت بالتوبة ولم تُقرِرْ بالخطيئة، وقد اجتمع إليک علي الباب مثل الجبال من الناس، فقال عثمان: فاخرج اليهم فکلّمهم؛ فإنّي أستحيي أن أکلّمهم.

قال: فخرج مروان إلي الباب والناس يرکب بعضهم بعضاً، فقال: ما شأنکم قد

[صفحه 233]

اجتمعتم کأنّکم قد جئتم لنهب؟ شاهت الوجوه، کلّ إنسان آخذ باُذن صاحبه، ألا من أريد، جئتم تريدون أن تنزعوا ملکنا من أيدينا، اُخرجوا عنّا، أما واللَّه لئن رمتمونا ليمرّنّ عليکم منّا أمر لا يسرّکم، ولا تحمدوا غبّ رأيکم، ارجعوا إلي منازلکم؛ فإنّا واللَّه ما نحن مغلوبين علي ما في أيدينا.

قال: فرجع الناس، وخرج بعضهم حتي أتي عليّاً فأخبره الخبر، فجاء عليّ عليه السلام مغضباً حتي دخل علي عثمان، فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منک إلّا بتحرّفک عن دينک وعن عقلک، مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به؟ واللَّه ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه، وايم اللَّه إنّي لأراه سيوردک ثمّ لا يصدرک، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتک، أذهبتَ شرفک، وغُلبت علي أمرک.

فلمّا خرج عليّ، دخلت عليه نائلة بنت الفرافصة امرأته، فقالت: أتکلّم أو أسکت؟ فقال: تکلّمي.

فقالت: قد سمعت قول عليّ لک وإنّه ليس يعاودک، وقد أطعت مروان يقودک حيث شاء، قال: فما أصنع؟ قال: تتّقي اللَّه وحده لا شريک له، وتتّبع سنّة صاحبيک من قبلک؛ فإنّک متي أطعت مروان قتلک، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبّة، وإنّما ترکک الناس لمکان مروان، فأرسِل إلي عليّ فاستصلحه؛ فإنّ له قرابة منک وهو لا يُعصي.

قال: فأرسل عثمان إلي عليّ فأبي أن يأتيه، وقال: قد أعلمته أنّي لست بعائد[2] .

[صفحه 234]

1216- تاريخ الطبري- في ذکر ما حدث بعد رجوع المصريّين-: لمّا رجع عليّ عليه السلام إلي عثمان أخبره أنّهم قد رجعوا، وکلّمه عليّ کلاماً في نفسه، قال له: اعلمْ أنّي قائل فيک أکثر ممّا قلت. قال: ثمّ خرج إلي بيته.

قال: فمکث عثمان ذلک اليوم حتي إذا کان الغد جاءه مروان، فقال له: تکلّم وأعِلم الناسَ أنّ أهل مصر قد رجعوا، وأنّ ما بلغهم عن إمامهم کان باطلاً؛ فإنّ خطبتک تسير في البلاد قبل أن يتحلّب الناس عليک من أمصارهم، فيأتيک من لا تستطيع دفعه. قال: فأبي عثمان أن يخرج، قال: فلم يزل به مروان حتي خرج، فجلس علي المنبر فحمد اللَّه وأثني عليه، ثمّ قال: أمّا بعد: فإنّ هؤلاء القوم من أهل مصر کان بلغهم عن إمامهم أمر، فلمّا تيقّنوا أنّه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلي بلادهم. قال: فناداه عمرو بن العاص من ناحية المسجد: اتّقِ اللَّه يا عثمان؛ فإنّک قد رکبت نَهابيرَ ورکبناها معک، فتُب إلي اللَّه نتُب. قال: فناداه عثمان، وإنّک هناک يابن النابغة! قملتْ واللَّه جبّتُک منذ ترکتک من العمل. قال: فنودي من ناحية اُخري: تُب إلي اللَّه، وأظهر التوبة يکفَّ الناسُ عنک. قال: فرفع عثمان يديه مدّاً، واستقبل القبلة فقال: اللهمّ إنّي أوّل تائب تاب إليک.

ورجع إلي منزله، وخرج عمرو بن العاص حتي نزل منزله بفلسطين، فکان يقول: واللَّه إن کنت لألقي الراعي فاُحرّضه عليه[3] .360:4- تاريخ الطبري عن أبي عون: سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث يذکر مروان بن الحکم، قال: قبّح اللَّه مروان؛ خرج عثمان إلي الناس فأعطاهم الرضي، وبکي علي المنبر وبکي الناس حتي نظرت إلي لحية عثمان

[صفحه 235]

مخضلّة من الدموع، وهو يقول: اللهمّ إنّي أتوب إليک، اللهمّ إنّي أتوب إليک، اللهمّ إنّي أتوب إليک! واللَّه لئن ردّني الحقّ إلي أن أکون عبداً قنّاً لأرضينّ به، إذا دخلت منزلي فادخلوا عليّ، فواللَّه لا أحتجب منکم، ولاُعطينّکم الرضي، ولأزيدنّکم علي الرضي، ولاُنحّينّ مروان وذويه.

قال: فلمّا دخل أمر بالباب ففتح، ودخل بيته، ودخل عليه مروان، فلم يزل يفتله في الذِّرْوَة والغارِب حتي فتله عن رأيه، وأزاله عمّا کان يريد، فلقد مکث عثمان ثلاثة أيّام ما خرج استحياءً من الناس.

وخرج مروان إلي الناس، فقال: شاهت الوجوه! ألا من اُريد! ارجعوا إلي منازلکم؛ فإن يکن لأمير المؤمنين حاجة بأحد منکم يرسل إليه، وإلّا قرّ في بيته.

قال عبد الرحمن: فجئت إلي عليّ فأجده بين القبر والمنبر، وأجد عنده عمّار بن ياسر، ومحمّد بن أبي بکر، وهما يقولان: صنَع مروان بالناس وصنَع.

قال: فأقبل علَيَّ عليٌّ، فقال: أحضرتَ خطبة عثمان؟ قلت: نعم.

قال: أفحضرت مقالة مروان للناس؟ قلت: نعم.

قال عليٌّ: عياذ اللَّه، يا للمسلمين! إنّي إن قعدت في بيتي قال لي: ترکتني وقرابتي وحقّي، وإنّي إن تکلّمت فجاء ما يريد يلعب به مروان، فصار سيّقة له يسوقه حيث شاء بعد کبر السنّ وصحبة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

قال عبد الرحمن بن الأسود: فلم يزل حتي جاء رسول عثمان: ائتني.

فقال عليٌّ بصوت مرتفع عالٍ مغضب: قل له: ما أنا بداخل عليک ولا عائد.

قال: فانصرف الرسول.

[صفحه 236]

قال: فلقيت عثمان بعد ذلک بليلتين خائباً، فسألت ناتلاً غلامه: من أين جاء أميرالمؤمنين؟

فقال: کان عند عليّ.

فقال عبد الرحمن بن الأسود: فغدوت فجلست مع عليّ عليه السلام، فقال لي: جاءني عثمان البارحة، فجعل يقول: إنّي غير عائد، وإنّي فاعل. قال: فقلت له: بعدما تکلّمت به علي منبر رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، وأعطيت من نفسک، ثمّ دخلت بيتک، وخرج مروان إلي الناس فشتمهم علي بابک ويؤذيهم!

قال: فرجع وهو يقول: قطعتَ رحِمي وخذلتني، وجرّأت الناس عليَّ.

فقلت: واللَّه، إنّي لأذبّ الناس عنک، ولکنّي کلّما جئتک بَهنَة أظنّها لک رضيً جاء باُخري، فسمعتَ قول مروان عليَّ، واستدخلت مروان.

قال: ثمّ انصرف إلي بيته.

قال عبد الرحمن بن الأسود: فلم أزل أري عليّاً منکّباً عنه لا يفعل ما کان يفعل، إلّا أنّي أعلم أنّه قد کلّم طلحة حين حُصر في أن يدخل عليه الرَّوايا،[4] وغضب في ذلک غضباً شديداً، حتي دخلت الرَّوايا علي عثمان[5] .



صفحه 233، 234، 235، 236.





  1. کذا في المصدر، وفي البداية والنهاية: «جاوزَ الحزامُ الطُّبْيَين وبلغ السيلُ الزُّبي» وهو الموجود في کتب الأمثال. قال الميداني: بلغ السَّيلُ الزُّبي: هي جمع زُبْية؛ وهي حفرة تُحفر للأسد إذا أرادوا صيده، وأصلها الرابية لايلعوها الماء، فإذا بلغها السيل کان جارفاً مجحفاً. وهو مثل يضرب لما جاوز الحدّ. وجاوز الحزام الطُّبيين: الطُّبي للحافر والسباع کالضرع لغيرها، وهو مثل يُضرب عند بلوغ الشدَّة منتهاها (مجمع الأمثال: 436:158:1 و ص 871:295).
  2. تاريخ الطبري: 361:4، الکامل في التاريخ: 284:2، البداية والنهاية: 172:7؛ الجمل: 192.
  3. تاريخ الطبري: 1217.
  4. الرَّوايا من الإبل: الحوامل للماء، واحدتها راوية (النهاية: 279:2).
  5. تاريخ الطبري: 363:4 وراجع الکامل في التاريخ: 284:2 تا 286 والأغاني: 481:19 والبداية والنهاية: 172:7 و173.