طبيعة النقل وقلّته











طبيعة النقل وقلّته



ممّا ذکروه في عداد الإشکالات أنّه لو کان لواقعة «ردّ الشمس» أصلٌ؛ لکان من الطبيعي أن يراها عدد کبير من الناس، کما کان حريّاً أن تُسجَّل بوصفها واقعة تاريخيّة من أعظم عجائب العالم التي تتوفّر الدواعي إلي نقلها، ومن ثَمّ لَتناقلها مختلف الأقوام والملل، ولم يُقصر نقلها علي عدّة قليلة.

ربما ظنّ بعضهم أنّ هذا الإشکال هو أهمّ ما يواجه الواقعة من إشکالات. بيدَ أنّه بدوره يحظي بجوابين: نقضيّ وحلّيّ معاً:

أمّا نقضاً: فقد شهد التاريخ الإسلامي علي عهد رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم حدوث واقعة عظيمة حقّاً هي «شقّ القمر» التي تُعدّ أدعي للعجب وإثارة الدهشة من مسألة «ردّ الشمس»؛ فقد انشقّ القمر وصار شطرين بإشارة إعجازيّة من النبيّ صلي الله عليه و سلم، بعد أن طلب المشرکون ذلک، بحيث صار کلّ شقّ علي جانب.

وقد رأي المسافرون الذين کانوا يتّجهون تلقاء مکّة هذه الظاهرة الإعجازيّة، وأخبروا قريشاً برؤيتهم. ثمّ إنّ جميع المفسِّرين بلا استثناء أذعنوا للواقعة، وقد جاءت تؤکّدها الآيات الاُولي من سورة «القمر» وتوثّقها في قوله سبحانه:[1] «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَ انشَقَّ الْقَمَرُ وَ إِن يَرَوْاْء َايَةً يُعْرِضُواْ وَ يَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ»،[2] ومن ثمّ لم تتوفّر الدواعي لإخفائها، لکن مع ذلک کلّه لم يزِد رواتها

[صفحه 105]

علي رواة «ردّ الشمس»؛ کما لم تطبق شهرتها الآفاق أيضاً بحيث يعرف خبرها جميع الأقوام والملل.

أکثر من ذلک، لو لم تُوثّق الآيات الکريمة للواقعة وتؤبّدها علي مدار الزمان من خلال الوحي الإلهي، فلربّما لم تبلغ نصوصها حتي هذا القدر الموجود الآن، ولاختفت النصوص، وصارت واقعة «شقّ القمر» في مطاوي النسيان.

أمّا الجواب حلّاً: فما يبعث علي الأسف أنّ ثقافة ضبط الحديث وتدوينه وکتابته کانت ضعيفة بين عامّة المسلمين خلال القرن الهجري الأوّل؛ لأسباب ليس هذا محلّ تفصيلها. وبذلک اندثرت آثار ومآثر کثيرة، وضاع مثلها من الأحاديث والروايات، ومن ثَمّ لم تحظَ معاجز رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم بنقولٍ مکثّفة تغطّيها باستفاضة من کلّ جانب.

من زاوية اُخري يُلحظ أنّ الفضاء الذي کان يُهيمن علي أجواء الحياة الإسلاميّة کان يميل إلي مواجهة الفضائل العلويّة، ويسعي إلي طمس مناقب آل اللَّه عليهم السلام، ليس خلال القرن الأوّل وحده وإنّما علي مدار قرون. وبذلک کان ضبط هذه الأخبار وإذاعتها يستتبع تبعات مکلّفة، ويترتّب عليه ثمن باهض.

إنّ هذا الجوّ الذي يعرفه الباحثون في تاريخ الإسلام، يمکن أن يفسِّر لنا قلّة النصوص بإزاء هذه الوقائع، وأکثر من ذلک أنّه يکشف أنّ هذا القدر الذي بلغنا کان رهين اللطف الإلهي، وما تحظي به تلک الوقائع من عظمة وجلال.

من جهة ثالثة يُلحظ أنّ الأرضيّة لم تکن واضحة بما فيه الکفاية لرؤية الواقعة من قبل عدد کبير من الناس؛ فمن ناحية کانت المدّة التي عادت بها الشمس قصيرة، ومن ناحية اُخري تقضي طبيعة الحادثة وخصوصيّاتها ألّا تکون الشمس قد ارتفعت کثيراً في کبد السماء، وبذلک لم تکن رؤيتها ممکنة إلّا في

[صفحه 106]

المناطق القريبة من الاُفق، و بشرط عدم وجود المانع کالغمام والغبار.[3] .

مع ذلک کلّه، لا تبدو نصوص الواقعة قليلة إذا ما قيست بنصوص و أخبار ما سواها من الوقائع. فعلي رغم عدم عناية المعاصرين للواقعة و عدم اهتمامهم بتوثيقها بحکم کونهم في صلب الحادثة وصميمها، إلّا أنّ الذين وثّقوا لها في الأجيال اللاحقة، وعنَوا بضبطها وتدوينها لم يکونوا قلّة قط.

ومهما يکن؛ فإنّ وقوع «ردّ الشمس» هو أمر قطعيّ، وأخبار الواقعة ثابتة مستفيضة.

[صفحه 107]



صفحه 105، 106، 107.





  1. راجع: کتب التفسير في ظلال سورة القمر.
  2. القمر: 1 و 2.
  3. ثَمَّ نصّ بهذا الشأن ربّما کان عن المعصوم، جاء فيه: «قال العالم: علّة ردّ الشمس علي أميرالمؤمنين عليه السلام و ما طلعت علي أهل الأرض کلّهم، أنّه جلّل اللَّه السماء بالغمام إلّا الموضع الذي کان فيه أميرالمؤمنين عليه السلام و أصحابه؛ فإنّه جلاه حتي طلعت عليهم» (بحارالأنوار: 26:166:58، نقلاً عن العلل لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم).