استجابة دعائه لشابّ يبس نصف بدنه











استجابة دعائه لشابّ يبس نصف بدنه



5784- المناقب لابن شهر آشوب: إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام سمع في ليلة الإحرام منادياً باکياً، فأمر الحسين عليه السلام يطلبه، فلما أتاه وجد شابّاً يبس نصف بدنه، فأحضره فسأله عليّ عليه السلام عن حاله، فقال:

کنت رجلاً ذا بطر، وکان أبي ينصحني، فکان يوماً في نصحه إذ ضربته، فدعا عليّ بهذا الموضع وأنشأ شعراً، فلما تمّ کلامه يبس نصفي، فندمت وتبت وطيّبت قلبه، فرکب علي بعير ليأتي بي إلي هاهنا ويدعو لي، فلمّا انتصف البادية نفر البعير من طيران طائر ومات والدي.

فصلّي عليّ عليه السلام أربعاً ثمّ قال: قم سليماً؛ فقام صحيحاً، فقال: صدقت لو لم يرضَ عنک لما سُمِعت.[1] .

5785- الإمام الحسين عليه السلام: کنت مع عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الطواف في ليلة ديجوجية[2] قليلة النور، وقد خلا الطواف ونام الزوّار وهدأت العيون إذ سمع مستغيثاً مستجيراً مترحّماً بصوت حزين محزون من قلب موجع وهو يقول:


يا مَن يُجيب دعاءَ المضطَرّ في الظُّلمِ
يا کاشفَ الضُّرِّ والبلوي مع السَّقَمِ

[صفحه 65]

قد نام وفدُکَ حول البيت وانتبهوا
يدعو وعينُک يا قيّومُ لم تَنَمِ


هب لي بجودک أفضلَ العفو عن جُرمي
يا مَن أشار إليه الخَلقُ في الحرمِ


إن کان عفوک لا يلقاه ذو سَرفٍ
فمَن يجود علي العاصين بالنِّعمِ


قال الحسين بن علي عليه السلام: فقال لي: يا أباعبداللَّه ، أسمعت المنادي ذنبه المستغيث ربّه؟

فقلت: نعم قد سمعته. فقال: اعتبره عسي تراه.

فما زلت أخبط في طخياء الظلام، وأتخلل بين النيام، فلما صرت بين الرکن والمقام بدا لي شخص منتصب فتأمّلته فإذا هو قائم، فقلت:

السلام عليک أيّها العبد المقرّ المستقيل المستغفر المستجير أجب باللَّه ابنَ عمّ رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم! فأسرع في سجوده وقعوده وسلّم، فلم يتکلّم حتي أشار بيده بأن تقدّمني فتقدّمته، فأتيت به أميرالمؤمنين عليه السلام فقلت: دونک ها هو. فنظر إليه، فإذا هو شابّ حسن الوجه نقي الثياب، فقال له: ممّن الرجل؟

فقال له: من بعض العرب.

فقال له: ما حالک وممّ بکاؤک واستغاثتک؟!

فقال: حال من أوخذ بالعقوق فهو في ضيق ارتهنه المصاب وغمره الإکتياب فارتاب، فدعاؤه لا يستجاب.

فقال له علي عليه السلام: ولِمَ ذلک؟!

فقال: لأنّي کنت ملتهياً في العرب باللعب والطرب، اُديم العصيان في رجب وشعبان وما اُراقب الرحمن، وکان لي والد شفيق يحذّرني مصارع الحدثان، ويخوّفني العقاب بالنيران ويقول: کم ضجّ منک النهار والظلام والليالي والأيّام

[صفحه 66]

والشهور والأعوام والملائکة الکرام؟! و کان إذا ألحّ عليّ بالوعظ زجرته وانتهرته و وثبت عليه و ضربته، فعمدت يوماً إلي شي ء من الورق[3] و کانت في الخبأ، فذهبت لآخذها و أصرفها فيما کنت عليه، فمانعني عن أخذها فأوجعته ضرباً ولويت يده و أخذتها ومضيت، فأومأ بيده إلي رکبتيه يروم النهوض من مکانه ذلک، فلم يطق يحرکها من شدّة الوجع والألم فأنشأ يقول:


جرت رَحمٌ بيني وبين منازِل
سواءً کما يستنزل القطرَ طالبُه


وربّيتُ حتي صار جَلداً شمردلاً
إذا قام ساوي غاربَ الفحل غاربُه


وقد کنتُ اُوتيه من الزاد في الصبي
إذا جاع منه صفوه وأطايبه


فلمّا استوي في عُنفوان شبابه
وأصبح کالرمح الرُّديني خاطبه


تهضَّمني مالي کذا ولوي يدي
لوي يدَه اللَّهُ الذي هو غالبه


ثمّ حلف باللَّه ليقدمن إلي بيت اللَّه الحرام فيستعدي اللَّه عليّ.

قال: فصام أسابيع و صلّي رکعات و دعا، و خرج متوجّهاً علي عيرانة[4] يقطع بالسير عرض الفلاة ويطوي الأودية ويعلو الجبال حتي قدم مکّة يوم الحجّ الأکبر، فنزل عن راحلته وأقبل إلي بيت اللَّه الحرام، فسعي وطاف به وتعلّق بأستاره وابتهل وأنشأ يقول:


يا مَن إليه أتي الحُجّاج بالجُهدِ
فوق المهاوي من اقصي غاية البُعدِ


إنّي أتيتک يا من لا يُخيّب مَن
يدعوه مُبتهلاً بالواحد الصمدِ


هذا منازلُ لا يرتاع من عَقَقي
فخُذ بحقّيَ يا جبارُ من وَلَدي


حتي تشلَّ بعونٍ منک جانبَه
يا من تقدَّس لم يُولد ولم يَلِد

[صفحه 67]

قال: فوالذي سمک السماء وأنبع الماء، ما استتمّ دعاءَه حتي نزل بي ما تري- ثمّ کشف عن يمينه فإذا بجانبه قد شُلّ- فأنا منذ ثلاث سنين أطلب إليه أن يدعو لي في الموضع الذي دعا به عليَّ فلم يُجبني، حتي إذا کان العام أنعم عليَّ فخرجت علي ناقة عشراء[5] أجدّ السير حثيثاً رجاء العافية حتي إذا کنّا علي الأراک[6] وحطته وادي السجال،[7] نفر طائر في الليل فنفرت منه الناقة التي کان عليها فألقته إلي قرار الوادي وارفضّ بين الحجرين فقبرته هناک، وأعظم من ذلک أ نّي لا اُعرف إلّا المأخوذ بدعوة أبيه.

فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: أتاک الغوث! ألا اُعلمک دعاءً علّمنيه رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم وفيه اسم اللَّه الأکبر الأعظم العزيز الأکرم الذي يجيب به من دعاه، ويُعطي به من سأله، ويفرج الهمّ ويکشف به الکرب ويذهب به الغم، ويُبرئ به السقم ويجبر به الکسير، ويُغني به الفقير ويقضي به الدين ويرد به العين، ويغفر به الذنوب ويستر به العيوب، ويؤمن به کلّ خائف من شيطان مريد وجبار عنيد، ولو دعا به طائع للَّه علي جبل لزال من مکانه أو علي ميت لأحياه اللَّه بعد موته، ولو دعا به علي الماء لمشي عليه بعد أن لا يدخله العجب. فاتقِ اللَّه أيّها الرجل فقد أدرکتني الرحمة لک، وليعلم اللَّه منک صدق النيّة أنّک لا تدعو به في معصيته ولا تفيده إلّا الثقة في دينک، فإن أخلصت النيّة استجاب اللَّه لک، ورأيت نبيّک محمّداً صلي الله عليه و سلم في منامک يبشّرک بالجنة والإجابة.

قال الحسين بن علي عليهماالسلام: فکان سروري بفائدة الدعاء أشدّ من سرور الرجل

[صفحه 68]

بعافيته وما نزل به؛ لأنّني لم أکن سمعته منه ولا عرفت هذا الدعاء قبل ذلک. ثمّ قال: ائتني بدواة وبياض واکتب ما اُمليه عليک، ففعلت؛ وهو:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم اللهمّ إنّي أسألک باسمک يا ذا الجلال والإکرام... » وتسأل اللَّه تعالي ما أحببت وتسمّي حاجتک ولا تدع به إلّا وأنت طاهر، ثمّ قال للفتي: إذا کانت الليلة فادع به عشر مرّات وأتني من غدٍ بالخبر.

قال الحسين بن علي عليهماالسلام: وأخذ الفتي الکتاب ومضي فلما کان من غد ما أصبحنا حسناً حتي أتي الفتي إلينا سليماً معافيً والکتاب بيده وهو يقول: هذا واللَّه الاسم الأعظم استُجيب لي وربّ الکعبة.

قال له عليّ صلوات اللَّه عليه: حدّثني.

قال: هدأت العيون بالرقاد واستحلک جلباب الليل رفعت يدي بالکتاب ودعوت اللَّه بحقّه مراراً فاُجبت في الثانية حسبک فقد دعوت اللَّه باسمه الأعظم، ثمّ اضطجعت فرأيت رسول اللَّه صلي الله عليه و سلم في منامي وقد مسح يده الشريفة عليّ وهو يقول: احتفظ باسم اللَّه الأعظم العظيم فإنّک علي خير، فانتبهت معافيً کما تري فجزاک اللَّه خيراً.[8] .



صفحه 65، 66، 67، 68.





  1. المناقب لابن شهر آشوب: 286:2، بحارالأنوار: 23:209:41.
  2. دَجا الليلُ إذا تَمّت ظُلمتُه وألبس کُلَّ شي ء (النهاية: 102:2).
  3. الورق: الدراهم (لسان العرب: 375:10).
  4. العَيرانة من الإبل: الناجية في نشاط، سمّيت لکثرة تَطْوافِها وحرکتها (تاج العروس: 282:7).
  5. العُشَراء: التي أتي علي حَملها عشرة أشهر، ثمّ اتّسع فيه فقيل لکلّ حامل: عُشراء (النهاية: 240:3).
  6. الأراک: هو وادي الأراک، قرب مکّة (معجم البلدان: 135:1).
  7. في بحارالأنوار نقلا عن المصدر: «وحطمة وادي السياک» والظاهر أنّه اسم موضع.
  8. مهج الدعوات: 191، بحارالأنوار: 37:224:41 و ج 33:394:95.