اقامة الحدّ علي من أقرَّ بالزني











اقامة الحدّ علي من أقرَّ بالزني



5777- الکافي عن أحمد بن محمّد بن خالد رفعه إلي الإمام عليّ عليه السلام: أتاه رجل بالکوفة فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني، قال: ممّن أنت؟ قال: من مُزَينة، قال: أتقرأ من القرآن شيئاً؟ قال: بلي، قال: فاقرأ، فقرأ فأجاد، فقال: أبِکَ جِنّة؟ قال: لا، قال: فاذهب حتي نسأل عنک.

فذهب الرجل ثمّ رجع إليه بعدُ فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني، فقال: ألک زوجة؟ قال: بلي. قال: فمُقيمة معک في البلد؟ قال: نعم، قال: فأمره أميرالمؤمنين عليه السلام فذهب، وقال: حتي نسأل عنک، فبعث إلي قومه فسأل عن خبره، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، صحيح العقل.

فرجع إليه الثالثة فقال له مثل مقالته، فقال له: اذهب حتي نسأل عنک، فرجع

[صفحه 54]

إليه الرابعة، فلمّا أقرّ قال أميرالمؤمنين عليه السلام لقنبر: احتفظ به، ثمّ غضب ثمّ قال: ما أقبح بالرجل منکم أن يأتي بعض هذه الفواحش، فيفضح نفسه علي رؤوس الملأ! أفلا تاب في بيته؟! فواللَّه لتوبته فيما بينه وبين اللَّه أفضل من إقامتي عليه الحدّ.

ثمّ أخرجه ونادي في الناس: يا معشر المسلمين اخرجوا ليُقام علي هذا الرجل الحدّ، ولا يعرفنّ أحدکم صاحبه، فأخرجه إلي الجبّان،[1] فقال: يا أميرالمؤمنين، أنظرني اُصلّي رکعتين.

ثمّ وضعه في حفرته واستقبل الناس بوجهه فقال:

يا معاشر المسلمين. إنّ هذا حقّ من حقوق اللَّه عزّوجلّ؛ فمن کان للَّه في عنقه حقّ فلينصرف ولا يُقيم حدود اللَّه من في عنقه للَّه حدّ، فانصرف الناس وبقي هو والحسن والحسين عليهماالسلام، فأخذ حَجَراً، فکبّر ثلاث تکبيرات، ثمّ رماه بثلاثة أحجار في کلّ حَجَر ثلاث تکبيرات، ثمّ رماه الحسن عليه السلام مثل ما رماه أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ رماه الحسين عليه السلام، فمات الرجل.

فأخرجه أمير المؤمنين عليه السلام فأمر فحُفِر له وصلّي عليه ودفنه، فقيل: يا أمير المؤمنين، ألا تُغسّله؟ فقال: قد اغتسل بما هو طاهر إلي يوم القيامة، لقد صبر علي أمرٍ عظيم.[2] .

5778- الکافي عن ميثم: أتت امرأة مُجِحٌّ[3] أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: يا

[صفحه 55]

أميرالمؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني طهّرک اللَّه؛ فإنّ عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع، فقال لها: ممّا اُطهّرک؟ فقالت: إنّي زنيت، فقال لها: أ وَذات بعل أنتِ أم غير ذلک؟ فقالت: بل ذات بعل، فقال لها: أفحاضراً کان بعلکِ إذ فعلتِ ما فعلتِ أم غائباً کان عنک؟ فقالت: بل حاضراً، فقال لها: انطلقي، فضعي ما في بطنک، ثمّ ائتني اُطهّرْک، فلمّا ولّت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع کلامه قال: اللهمّ إنّها شهادة.

فلم يلبث أن أتته، فقالت: قد وضعت فطهّرني، فتجاهل عليها، فقال: اُطهّرک يا أمة اللَّه ممّاذا؟ فقالت: إنّي زنيت فطهّرني، فقال: وذات بعل إذ فعلتِ ما فعلتِ؟ قالت: نعم، قال: وکان زوجک حاضراً أم غائباً؟ قالت: بل حاضراً، قال: فانطلقي وارضعيه حولين کاملين کما أمرک اللَّه، فانصرفت المرأة، فلمّا صارت من حيث لا تسمع کلامه قال: اللهمّ إنّهما شهادتان.

فلمّا مضي حولان أتت المرأة فقالت: قد أرضعته حولين، فطهّرني يا أميرالمؤمنين، فتجاهل عليها وقال: اُطهّرک ممّاذا؟ فقالت: إنّي زنيت فطهّرني، قال: وذات بعلٍ أنت إذ فعلت ما فعلت؟ فقالت: نعم، قال: وبعلک غائب عنک إذ فعلت ما فعلت أو حاضر؟ قالت: بل حاضر، قال: فانطلقي فاکفليه حتي يعقل أن يأکل ويشرب ولا يتردّي من سطح ولا يتهوّر في بئر.

فانصرفت وهي تبکي، فلمّا ولّت فصارت حيث لا تسمع کلامه قال: اللهمّ إنّها ثلاث شهادات، فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي فقال لها: ما يُبکيک يا أمة اللَّه وقد رأيتک تختلفين إلي عليّ تسألينه أن يطهّرک؟ فقالت: إنّي أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فسألته أن يطهّرني فقال: اکفلي ولدک حتي يعقل أن يأکل ويشرب ولا يتردّي من سطح ولا يتهوّر في بئر، وقد خفت أن يأتي عليَّ الموت ولم يطهّرني.

[صفحه 56]

فقال لها عمرو بن حريث: ارجعي إليه فأنا أکفله.

فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بقول عمرو، فقال لها أميرالمؤمنين عليه السلام وهو متجاهل عليها: ولِمَ يکفل عمرو ولدک؟ فقالت: يا أميرالمؤمنين إنّي زنيت فطهّرني، فقال: وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت؟ قالت: نعم، قال: أ فغائباً کان بعلک إذ فعلت ما فعلت أم حاضراً؟ فقالت: بل حاضراً، قال: فرفع رأسه إلي السماء وقال: اللهمّ إنّه قد ثبت لک عليها أربع شهادات، وإنّک قد قلت لنبيّک صلي الله عليه و سلم فيما أخبرته به من دينک: يا محمّد من عطّل حدّاً من حدودي فقد عاندني وطلب بذلک مضادّتي، اللهمّ فإنّي غير معطّل حدودک، ولا طالب مضادّتک، ولا مضيّع لأحکامک، بل مطيع لک، ومتّبع سنّة نبيّک صلي الله عليه و سلم.

فنظر إليه عمرو بن حريث وکأ نّما الرمّان يفقأ في وجهه، فلمّا رأي ذلک عمرو قال: يا أميرالمؤمنين، إنّني إنّما أردت أکفله إذ ظننت أ نّک تحبّ ذلک، فأمّا إذا کرهته فإنّي لست أفعل.

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: أ بعدَ أربع شهادات باللَّه؟! لتکفلنّه وأنت صاغر.

فصعد أميرالمؤمنين عليه السلام المنبر فقال: يا قنبر! نادِ في الناس الصلاة جامعة، فنادي قنبر في الناس، فاجتمعوا حتي غصّ المسجد بأهله، وقام أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه، فحمد اللَّه وأثني عليه ثمّ قال:

أيّها الناس إنّ إمامکم خارج بهذه المرأة إلي هذا الظَّهْر ليُقيم عليها الحدّ إن شاء اللَّه، فعزم عليکم أميرالمؤمنين لمّا خرجتم وأنتم متنکّرون ومعکم أحجارکم لا يتعرّف أحد منکم إلي أحد حتي تنصرفوا إلي منازلکم إن شاء اللَّه ثمّ نزل.

[صفحه 57]

فلمّا أصبح الناس بکرة خرج بالمرأة وخرج الناس متنکّرين متلثّمين بعمائمهم وبأرديتهم والحجارة في أرديتهم وفي أکمامهم حتي انتهي بها والناس معه إلي الظَّهْر بالکوفة، فأمر أن يُحفر لها حفيرة ثمّ دفنها فيها، ثمّ رکب بغلته وأثبت رجليه في غرز الرکاب، ثمّ وضع إصبعيه السبّابتين في اُذنيه، ثمّ نادي بأعلي صوته:

يا أيّها الناس! إنّ اللَّه تبارک وتعالي عهد إلي نبيّه صلي الله عليه و سلم عهداً عهده محمّد صلي الله عليه و سلم إليَّ بأ نّه لا يُقيم الحدّ من للَّه عليه حدٌّ؛ فمن کان عليه حدّ مثل ما عليها فلا يُقيم عليها الحدّ.

فانصرف الناس يومئذٍ کلّهم ما خلا أميرالمؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلام، فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحدّ يومئذٍ وما معهم غيرهم.[4] .



صفحه 54، 55، 56، 57.





  1. الجَبّان: في الأصل الصحراء، وأهل الکوفة يُسمّون المقابر جبّانة (معجم البلدان: 99:2).
  2. الکافي: 3:188:7، تفسير القمّي: 96:2 عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام نحوه، بحارالأنوار: 66:292:40 وراجع من لا يحضره الفقيه: 5017:31:4.
  3. المُجِحُّ: الحامِلُ المُقْرِب التي دنا وِلادُها (النهاية: 240:1).
  4. الکافي: 1:186:7، تهذيب الأحکام: 23:9:10، من لا يحضره الفقيه: 5018:32:4، المحاسن: 1094:21:2.