قضاء كقضاء داود











قضاء کقضاء داود



5760- الإمام الباقر عليه السلام: دخل أميرالمؤمنين عليه السلام المسجد فاستقبله شابّ يبکي وحوله قوم يُسکتونه، فقال عليّ عليه السلام: ما أبکاک؟ فقال: يا أميرالمؤمنين! إنّ شريحاً قضي عليَّ بقضيّة ما أدري ما هي؟ إنّ هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في السفر، فرجعوا ولم يرجع أبي، فسألتهم عنه فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله، فقالوا: ما ترک مالاً، فقدّمتهم إلي شريح فاستحلفهم، وقد علمتُ- يا أميرالمؤمنين- أنّ أبي خرج ومعه مال کثير، فقال لهم أميرالمؤمنين عليه السلام: ارجعوا، فرجعوا والفتي معهم إلي شريح.

فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: يا شريح! کيف قضيت بين هؤلاء؟ فقال: يا أميرالمؤمنين، ادّعي هذا الفتي علي هؤلاء النفر أ نّهم خرجوا في سفر وأبوه

[صفحه 42]

معهم، فرجعوا ولم يرجع أبوه، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله، فقالوا: ما خلّف مالاً، فقلت للفتي: هل لک بيّنة علي ما تدّعي؟ فقال: لا، فاستحلفتهم فحلفوا.

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: هيهات يا شريح! هکذا تحکم في مثل هذا؟! فقال: يا أميرالمؤمنين، فکيف؟

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: واللَّه لأحکمنّ فيهم بحکمٍ ما حکم به خلق قبلي إلّا داود النبيّ عليه السلام. يا قنبر! ادعُ لي شَرَطة الخميس، فدعاهم، فوکّل بکلّ رجل منهم رجلاً من الشرطة، ثمّ نظر إلي وجوههم فقال: ماذا تقولون؟ أ تقولون: إنّي لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتي؟ إنّي إذاً لجاهل!

ثمّ قال: فرِّقوهم وغطُّوا رؤوسهم، ففُرّق بينهم واُقيم کلّ رجل منهم إلي اُسطوانة من أساطين المسجد ورؤوسهم مغطّاة بثيابهم، ثمّ دعا بعبيد اللَّه بن أبي رافع کاتبه فقال: هاتِ صحيفة ودواة، وجلس أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه في مجلس القضاء وجلس الناس إليه، فقال لهم: إذا أنا کبّرت فکبّروا، ثمّ قال للناس: افرجوا،[1] ثمّ دعا بواحد منهم فأجلسه بين يديه وکشف عن وجهه.

ثمّ قال لعبيد اللَّه بن أبي رافع: اکتب إقراره وما يقول، ثمّ أقبل عليه بالسؤال، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: في أيّ يوم خرجتم من منازلکم وأبو هذا الفتي معکم؟ فقال الرجل: في يوم کذا وکذا. قال: وفي أيّ شهر؟ قال: في شهر کذا وکذا. قال: في أيّ سنة؟ قال: في سنة کذا وکذا. قال: وإلي أين بلغتم في سفرکم حتي مات أبو هذا الفتي؟ قال: إلي موضع کذا وکذا، قال: وفي منزل مَن مات؟ قال: في

[صفحه 43]

منزل فلان بن فلان، قال: وما کان مرضه؟ قال: کذا وکذا، قال: وکم يوماً مرض؟ قال: کذا وکذا، قال: ففي أيّ يوم مات؟ ومن غسّله؟ ومن کفّنه؟ وبما کفّنتموه؟ ومن صلّي عليه؟ ومن نزل قبره؟

فلمّا سأله عن جميع ما يريد کبّر أميرالمؤمنين عليه السلام، وکبّر الناس جميعاً، فارتاب اُولئک الباقون، ولم يشکّوا أنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم وعلي نفسه، فأمر أن يُغطّي رأسه ويُنطلق به إلي السجن، ثمّ دعا بآخر فأجلسه بين يديه وکشف عن وجهه ثمّ قال: کلّا، زعمتم أنّي لا أعلم بما صنعتم؟ فقال: يا أميرالمؤمنين، ما أنا إلّا واحد من القوم، ولقد کنت کارهاً لقتله، فأقرّ.

ثمّ دعا بواحد بعد واحد کلّهم يقرّ بالقتل وأخْذ المال، ثمّ ردّ الذي کان أمر به إلي السجن فأقرّ أيضاً، فألزمهم المال والدم.

فقال شريح: يا أميرالمؤمنين، وکيف حکم داود النبيّ عليه السلام؟

فقال: إنّ داود النبيّ عليه السلام مرّ بغلمة يلعبون وينادون بعضهم: ب «يا مات الدِّين»، فيُجيب منهم غلام، فدعاهم داود عليه السلام فقال: يا غلام، ما اسمک؟ قال: مات الدين، فقال له داود عليه السلام: من سمّاک بهذا الاسم؟ فقال اُمّي.

فانطلق داود عليه السلام إلي اُمّه، فقال لها: يا أيّتها المرأة! ما اسم ابنک هذا؟ قالت: مات الدين، فقال لها: ومن سمّاه بهذا؟ قالت: أبوه، قال: وکيف کان ذاک؟ قالت: إنّ أباه خرج في سفرٍ له ومعه قوم، وهذا الصبيّ حملٌ في بطني، فانصرف القوم ولم ينصرف زوجي، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فقلت لهم: فأين ما ترک؟ قالوا: لم يخلّف شيئاً، فقلت: هل أوصاکم بوصيّة؟ قالوا: نعم، زعم أنّکِ حبلي، فما ولدتِ من ولد جارية أو غلام فسمّيه «مات الدِّين» فسمّيتُه.

[صفحه 44]

قال داود عليه السلام: وتعرفين القوم الذين کانوا خرجوا مع زوجک؟ قالت: نعم، قال: فأحياءٌ هم أم أموات؟ قالت: بل أحياء، قال: فانطلقي بنا إليهم، ثمّ مضي معها فاستخرجهم من منازلهم، فحکم بينهم بهذا الحکم بعينه وأثبت عليهم المال والدم وقال للمرأة: سمّي ابنک هذا «عاش الدِّين».[2] .



صفحه 42، 43، 44.





  1. في المصدر: «اخرجوا» والصحيح ما أثبتناه کما في تهذيب الأحکام.
  2. الکافي: 8:371:7، تهذيب الأحکام: 875:316:6 کلاهما عن أبي بصير، من لا يحضره الفقيه: 3255:24:3، الإرشاد: 215:1 نحوه من دون إسنادٍ إلي المعصوم وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 379:2.